7 - تقارير وتحقيقات عام

السيستاني.. ضمان الديمقراطية

الديمقراطيات الناشئة في دول العالم الثالث التي لا تتكئ على تراكمات ثقافية واجتماعية تحميها من الاهتزاز امام أية ريح بسيطة عادة ما تكون رخوة وبحاجة الى ضمانات، لذلك تلعب بعض مؤسسات الدولة القوية دور الحامي والضامن لتلك التجارب الديمقراطية على اختلاف رسوخها وماهيتها، ففي تركيا ومصر مثلاً لعبت المؤسسة العسكرية “الجيش” هذا الدور وحافظت على منجزات الديمقراطية حينما واجهت تحديا من نوع ما.

أما في تجربة عراق ما بعد الديكتاتور واعتماد النظام السياسي على مبدأ الديمقراطية في تشكيل الدولة وصناعة مؤسساتها الحامية للدستور والنظام الديمقراطي الجديد فقد كان من المخطط له ان تلعب مؤسسات كثيرة دور الحامي والضامن لهذا النظام الديمقراطي كالبرلمان والمؤسسة العسكرية والسلطة الرابعة بالاضافة الى منظمات المجتمع المدني التي انفتقت بشكل كبير بعد سقوط الدولة القامعة التي شوهت طبيعة المجتمع العراقي بكل طبقاته، مما تسبب بغياب الطبقة الوسطى وقتل الرأي العام العراقي، وهذا ما أكده مرور العواصف السياسية والأمنية والصراع السياسي والطائفي والمشاكل الموقوتة التي تنفجر في كل ازمة، كل ذلك اثبت عكس توقعات العراق الجديد الذي استفاقت نخبه السياسية على تل من الأزمات والتحديات، فقد ظل كرسي الديمقراطية اعرج وآيلا للسقوط في اية لحظة لأنه يفتقد الضامن له والحامي والمشرعن.

في ظل ذلك الجو القاتم ظهرت مرجعية السيستاني لتملأ منطقة الفراغ التي خلفتها كل التحديات التي ذكرناها ولم نذكر بعضها تلافيا لتسمية الاشياء بأسمائها، فالمواقف التي اتخذها الرجل منذ سقوط النظام البعثي سنة ٢٠٠٣ جعلته الضامن الوحيد للديمقراطية وعلّقت الرهانات عليه بشكل مطلق من قبل المجتمع والطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة في الوقت نفسه.

لقد لعب المرجع الأعلى في النجف دورا استثنائيا للحفاظ على منجز الدولة بعد سقوط مؤسساتها من خلال نظريته في بناء الدولة التي تقوم على مجموعة مقومات منحتها الحصانة المجتمعية لمرجعيته سطوة التأثير والمسك بقوة بتلابيب الأمور وسحبها نحو إرادته الحكيمة في حفظ الدولة من الاختلال الذي وقعت بمطباته لمرات كثيرة وخطيرة.

إنّ وقوف السيستاني بوجه الحاكم المدني لعراق ما بعد البعث بول بريمر وفريقه شكّل النواة الاولى للعبة الحفاظ على الديمقراطية وضماناتها، فقد أحرج المرجع الفريق الاميركي المنتصر بإسقاط أكبر وأرسخ نظام دكتاتوري في العالم حينما أملى عليهم ارادته في إشراك الشعب في صناعة مستقبل العراق بعيدا عن الإملاءات الدولية والوصفة الاميركية الجاهزة التي لم تقف أمام تلويح السيستاني بفتوى لا تتجاوز الثلاثة اسطر لتكون كافية لإسقاط المشروع الاميركي برمته، يومها كان الحاكم الاميركي جاهلا بأهمية هذه الفتوى وتأثيرها في الشارع كما يذكر احد مستشاريه (وهو وزير لبناني سابق) مما جعله يطرح تساؤلاً غبياً وغير مدرك لأصول اللعبة في العراق عن جدوى تدخل السيستاني في ما لا يعنيه فهو رجل دين غير عراقي فما علاقته بما ننوي القيام به.

لكنه سرعان ما أقر بخطأ قراءته للموضوع  وعاد ليستجيب الى رؤية السيستاني وتطبيقها بالحرف الواحد.

هزيمة الأميركان  بكل مستشاريهم وقادتهم واسطولهم العسكري جعلت من السيستاني بطلا في نظر الأمة ومتابعي شؤونها وتحولاتها وولّدت قناعة لدى الجميع بالاستعانة بالرجل واللجوء إليه في حل النزاعات ونزع فتيلها ليكون المرجع الأخير لتقديم الحلول وإعطاء الضمانات.

لعل طبقة الانتلجنسيا لم تنتبه الى وجود هذا الضمان إلاّ بعد تدخله المباشر في الكثير من القضايا التي تتعلق ببناء الدولة، لذلك نحن بحاجة الى تفعيل هذه الضمانات ونشر ما يعززها لحمايتنا من بعض القوى السياسية التي تريد تجاوز هذه الضمانات او عدم الاعتراف بها لأن ذلك يؤثر في مكتسباتها ويخفض من سقف امتيازاتها ودورها.

لا شك أن أمثلة كثيرة يمكن ان تكون شواهد على دور المرجع السيستاني في بقائه حتى هذه اللحظة كضامن وحيد لحفظ الديمقراطية والحفاظ عليها، ولا نريد الاستغراق في تلك الأمثلة والشواهد بقدر ما نريد تعزيز التمسك بالضامن وتوظيف ذلك ضمن مشروع بناء الدولة.

 

اترك ردا