7 - تقارير وتحقيقات عام

مهنة (الحمالة ) .. تقتل شبابنا وتذل كبارنا !!

واع /بغداد / عبير القريشي

 أسرار تخفيها مهنة الحمالين والذين اتخذوها حلا أخيرا ينتشلهم من واقعهم المرير بعد أن باءت جميع محاولاتهم بالفشل في الحصول على وظيفة أو فرصة عمل تستطيع أن تحسن واقعهم المعيشي ليصل بهم المطاف إلى هذه المهنة لوجود رغبة في تحسين وضعهم المعيشي ورغم ذلك تبقى قاصرة عن تحقيق طموحاتهم المشروعة فكانت لنا جولة في حياة هؤلاء الحمالين الذين اكدو اضطرارهم لمزاولة هذه المهنة فيما يطلعنا عدد من المختصين في علم الاجتماع عن مخاطر استنفاذ الطاقات الثقافية والعلمية في غير موقعها الصحيح .

 ” تجهض قواهم “

توجهنا إلى الأماكن التي يكثر فيها عمل الحمالين الذين اتخذوا هذه المهنة كحل أخير يقيهم من الفقر والحرمان الذي يعيشونه فبرغم قسوة هذه المهنة التي تجهض قواهم وتسلب راحتهم لتزرع مكانها تعبا ينهش أجسادهم التي أصبحت اخف لهم من ثقل الفاقة الذي يتكبدونها في حياتهم . حيث يستخدمون في مهنتهم عربة مصنوعة من الخشب ذات شكل مستطيل ويتراوح طولها ثلاثة أمتار أو أكثر وتحتوي على عجلتين موضوعة على جوانبها مع وجود مقبض يساعد الحمال على ألامساك بها وسحبها والتي تحمل أطنانا من البضائع التي تعددت وتنوعت ونحن نتجول في هذه الشوارع في بغداد وتحديدا في منطقة حافظ القاضي ومرورا بشارع الرشيد ووصولا إلى شارع النهر والسوق العربي وهي تصبح وتمسي بدوي أصوات عربات الحمل . حيث يقتصر عمل الحمالين في حمل البضائع ووضعها في هذه العربة مع ربطها بأحكام بواسطة حبل سميك من موقع البائع والذي يكون أما محال تجارية تبيع (الجملة ) أو مستودعات لخزن البضائع وسحب هذه البضائع إلى أماكن النقليات وبدورها تنقل البضائع بواسطة سيارات إلى مناطق بغداد أوالى المحافظات.

 ” الحواجز الكونكريتية” سبب لانتشار الحمالة

ايضا كان لابد لنا من الذهاب إلى المستودعات التجارية حيث شاهدنا اعدادا كبيرة من الحمالين وهم يقفون أمام هذه المستودعات بانتظار دورهم لتحميل البضائع فكل حمال واقف بجانب عربته ينتظر دوره وآخرون منشغلين بتحميل البضائع في العربات حيث يوحي لنا هذا المنظر عند رؤيته وجود صلة بين الحمال وعربته وهو يعيش معها لحظات التعب والإرهاق عندها استوقفنا كريم مزعل 45عاما وهو تاجر وصاحب مستودع تجاري ليبين لنا أهمية وجود الحمالين في عمله موضحا ” كوني تاجر استورد الأجهزة الكهربائية من دول الخارج واخزنها في المستودع لذلك احتاج إلى وجود الحمالين لحمل البضاعة ونقلها إلى النقليات حيث نقوم بالاتفاق مع عدد من الحمالين لحمل البضاعة ونقلها إلى أماكن النقليات حيث لا اقدر أن استغني عن الحمال وأوضح مزعل مقدار الأجور التي يحصل عليها الحمال قائلا ” تتوقف أجور الحمالين بعدد مرات نقل البضاعة وهناك من الحمالين من يفضلون أجورا أسبوعية قد تصل أجرة الحمال تقريبا إلى خمسة وعشرين ألف دينار يقوم بإعطائها له أصحاب النقليات حيث يأتي الحمال ليعطيني وصل الاستلام من ناقلة معينة لأقدر أن أزوده بالبضاعة وأشار إلى ” تزايد أعداد الحمالين وخصوصا في السنوات الأخيرة حيث تعددت أعمارهم فمنهم الصغار في العمر والذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر سنة والثامنة عشر ونجد أصحاب الأعمار الكبيرة من الذين هم في الخامسة والأربعون سنة يمتهنون هذه المهنة.وأجابنا مزعل بخصوص استفسارنا عن كثرة أعداد الحمالين أمام المستودعات والمخازن التجارية منوها” أن ما جعل أعداد الحمالين تزداد يرجع لأسباب عديدة منها وجود الحواجز الكونكريتيه وما سببته في قطع الشوارع والتي منعت من وصول النقليات إلى أماكن المستودعات والمخازن التجارية مما يجعلنا لا نقدر على الاستغناء عن الحمالين ودورهم لنقل البضائع إلى النقليات التي تبعد مسافات طويلة عن أماكن المستودعات التجارية .

 ” دور الحمال”

 هذا العالم المتشابك في تفاصيله والذي جعلنا نقتص فيه كل صغيرة وكبيرة وليس فقط علاقة الحمال بعربته بل الى ابعد من ذلك حيث يحدثنا حسام صباح 26عاما موضحا بدوره الذي يقوم على قطع وصولات التحميل حين التقينا به في شارع الرشيد قائلا” يتوقف عملي في التنسيق بين أصحاب النقليات والحمالين حيث أقوم بقطع وصولات البضائع وحسب نوعها أما أن تكون أجهزة كهربائية أو ملابس أو تكون مواد غذائية حيث أقوم بتزويد الحمال بوصولات التسليم لكي يسمح له بحمل المواد من التاجر إلى النقليات وعلى ضوء هذا الوصل نكتب اسم البضاعة واسم التاجر ليقوم التاجر إعطاء البضاعة ونوعيتها إلى الحمال الذي ينقل البضاعة إلى النقليات والتي تقوم الأخيرة بنقل المواد والبضائع بواسطة سيارات إلى المحافظات الشمالية أو الجنوبية أو نقلها إلى أماكن مخصصة في بغداد ويتابع ” يكثر عمل الحمالين في المناطق القريبة من الباب الشرقي شارع الرشيد لكونه مكان تتواجد به المستودعات التجارية التي تخزن بها كافة البضائع المستوردة من دول الخارج وتوزيعها عن طريق البيع في داخل البلد حيث يأتي دور الحمال في أتمام تحميل ونقل البضائع وتكثر أعداد الحمالين وتحديدا في هذه المناطق القريبة من باب الشرقي في بغداد .

 ” أوزان ثقيلـة”

وفي أثناء سيرنا شاهدنا عربة مليئة بالبضائع حيث اوقعتني الحيرة بهذا المنظر فمن الذي يقدر على سحب هذه العربة وهي تحمل أوزان ثقيلة من البضائع والتي تجاوز وزنها الطنين ونصف الطن لاسيما وأن أصحاب هذه العربات لا يملكون بنية جسمانية قوية فأجسامهم نحيلة ويرهقها الإعياء وعندما اقترب منا صاحب العربة وهو يسحب عربته استوقفناه للحديث حيث رحب بنا بابتسامة مقطوعة الأنفاس ليبين لنا سعد رحيم 20عاما ان الذي دفعه إلى اللجوء لهذا العمل وتحمل شدة قسوته هي الظروف المعيشية الصعبة وغياب فرص العمل ثم قال اعمل في حمل البضائع بواسطة عربة حيث يبدأ عملي منذ الساعة السادسة صباحا ولا ينتهي ألا في الخامسة عصرا حيث أقوم بحمل البضائع في العربة وسحبها إلى أماكن النقليات فلا نملك غير هذا العمل مصدرا للرزق نستطيع من خلاله على مواصلة حياتنا وتغطية جميع تكاليف المعيشة

فكوني اسكن في شقة أيجار أنا وأهلي وعلى مسؤوليتي تكاليف المعيشة حيث أن والدي استشهد قبل سنتين بحادث انفجار مما جعلني امتهن هذا العمل اضطرتني الظروف الصعبة في اللجوء لهذه المهنة فكونها مهنة شريفة لا تخلو من الصعوبات التي تنهك قوانا وتصيبنا بأمراض حيث أنني مصاب بمرض مفاصل العظام ولا أستطيع أن اسحب هذه الأوزان الثقيلة في العربة وحملها لكن قسوة الحياة أقوى من معاناة المرض وثقل البضائع مما اضطررنا إلى تحمل هذه الصعوبات من اجل الحصول على لقمة حلال.

 ” تسلب ما تبقى من عمري “

تركنا سعد رحيم يواصل عمله وهو يتحدى صعوبة سحب العربة وما تحمله من ثقل البضائع رغم تجرعه مرارة المرض الذي أصيب به من جراء هذه المهنة وفي تجوالنا وتحديدا في منطقة حافظ القاضي ومرورا بشارع النهر شاهدنا رجل تجاوز عمر الأربعين وهو يحمل البضائع ويضعها في العربة ونحن نسمع زفيره الحاد والمرتفع جدا وعندما أردنا الحديث معه امتنع في الوهلة الأولى عندما شاهدنا مدعيا خوفه بان تنشر صورته وهو بهذه الحالة المأساوية فصورة التعب واضحة على وجهه ومظهر ثيابه الرثة وبعد أن عرف أننا سوف لن نلتقط له صورة واطمأن من ذلك وافق صلاح إبراهيم 47عاما على الحديث معنا وأنفاسه تعبة قائلا ” التجأت إلى مهنة الحمالين بسبب ما أعانيه من أوضاع مادية مأساوية حيث كوني سابقا كنت ضابط في الجيش العراقي وعندما خرجت من الجيش لم اجد غير هذه المهنة فراتب التقاعد الذي احصل علية لا يكفي لتغطية مصروف المعيشة وهذا ما جعلني أن أكون حمال ويتابع إبراهيم بعد أن آخذته نوبة سعال ” أنني كنت سابقا املك سيارة أجرة حيث اعمل سائق تاكسي تعرضت لحادث سرقة السيارة ولاسيما أنني لا املك المال الكافي لشراء سيارة أخرى وأنا مسؤول عن عائلة فاتجهت إلى العمل في هذه المهنة التي على مايبدو قد تسلب مني ما تبقى من عمري لكونها مهنة تتطلب قوة جسدية وتحمل كبير حيث ناشد إبراهيم الجهات المعنية الى زيادة راتبه التقاعدي من قبل المعنيين في الأمر لاسيما انه لا يستطيع بعد ألان على مواصلة هذه المهنة .

 ” أصابني اليأس”

اما حملة الشهادات من الذين اتخذوا هذه المهنة ليصبحوا حمالين فقد امتهنوها بعد أن أغلقت أبواب فرص العمل أمام مستقبلهم وأصبحت فرصة الحصول على وظيفة صعبة المنال هذا ما ذكره لنا أكرم ناظم 24عاما فلم يجد فرصة عمل بعد أن طرق أبواب الدوائر الحكومية لينتهي به الأمل إلى أن يعمل حمال موضحا ” تخرجت من معهد أدارة واقتصاد قبل أربعة سنوات وخلال هذه الفترة كنت ابحث عن فرصة عمل حيث راجعت جميع الدوائر الحكومية لإيجاد فرصة عمل حيث تواجهني بالرفض بحجة ليس لديهم أماكن شاغرة وعندما تحين فرصة عمل أقدم لها وانتظر اسمي ينشر مع أسماء المقبولين وبعد الانتظار بفارغ الصبر لا اجد اسمي من بين أسماء المقبولين في التعيينات حيث أصبحت فرص العمل في دوائر الدولة صعبة المنال مضيفا أن ” الشهادة التي حصلت عليها وتحملت بسببها كل الظروف الصعبة من اجل الحصول على مستوى معيشي وتحقيق أحلامنا وأمالنا في الحصول على وظيفة لنخدم بها وطننا حسب اختصاصنا الدراسي لم تتح لي الحصول على وظيفة مما دفعنا إلى أللجوء لمهنة الحمالين بعد أن أصابني اليأس لينتهي أملي بسحب عربة واحمل البضائع فقد كانت بالنسبة ألي فرصة عمل سانحة لم أجدها في الوزارات الحكومية .

 ” لا يوجد أي اهتمام “

ولم يذهب بعيدا إبراهيم السامر 21عاما عما قاله زميله الذي سبقه فكونه لاعب منتخب رياضي والمتخصص في رياضة التاكواندو وحاصل على الحزام الأسود وحائز على جوائز بطولات عربية ودولية مثل بها العراق أحسن تمثيل في حين انه لم يجد تخصيصا ماليا كافيا وما لاقاه من عدم تثمين جهوده من قبل النادي الذي يلعب فيه ومن قبل المسؤولين على هذه الرياضة هذا ما دفعه للعمل كحمال بأجور يومية ليخفف عنه الحرمان الذي يعيشه حيث وجد في مهنة الحمالين ملاذ أخير يخفف عنه وطأة الفاقة حيث أوضح لنا السامر قائلا ” أقوم بحمل المواد بمختلف أنواعها من المستودعات وشحنها إلى النقليات حيث يعتمد عملي على أجور يومية احصل عليها مقابل أن يستأجرني أصحاب المستودعات التجارية لنقل البضائع بواسطة عربة مضيفا أن ” كوني لاعب تاكواندو في منتخب نادي القوة الجوية وحاصل على جوائز عديدة مثلت بها بلدي في هذه ألرياضه وحاصل على حزام اسود دولي فبرغم كل انجازاتي التي قدمتها لم أجد أي دعم من الجهات المعنية في ألرياضه حيث لم يعطونا راتب يكفي لمصروف شهر وهذا ما جعلني إلى اللجوء لمهنة الحمالين فالخمسين ألف دينار التي احصل عليها من النادي الرياضي قليلة جدا ولا تكفي حتى لمصاريف النقل من البيت إلى النادي ناهيك عن غلاء تكاليف المعيشة فلا اقدر بهذا المبلغ الضئيل أن أكون مستقبل واحقق نصف ما اطمح به من حياة كريمة حيث لا يوجد أي اهتمام يذكر ويواصل السامر حديثه بألم وحرقة ليقدر ما يحصل عليه من مال في مهنة الحمالة أن يستطيع شراء مستلزماته ألرياضيه وتغطية نفقات أخرى يعدها ضرورية في حياته كونه شاب في مقتبل العمر.

 ” يؤثر سلبيا على تطور البلد “

فيما تحدثنا الاستاذة في قسم الاجتماع بكلية الاداب الدكتورة فوزية العطية عن أسباب ظهور هكذا مهن ومنها مهنة الحمالين حيث يلجا أليها الكثيرون ممن يبحثون عن فرصة عمل لم تتح لهم في دوائر الدولة إلى غير ذلك من عدم كفاية المخصصات المالية قائلة أن ” ظهور مثل هكذا مهن لجا أليها الكثيرين كانت نتيجة أفرازات العطاله التي هي سائدة في الوقت الحاضر وعدم وجود مخصصات مالية تكفي لتوفير المستلزمات الضرورية لحياة المواطن أمام التقلبات الاقتصادية التي شهدها البلد حيث تأخذ هذه المهن صور متعددة ومنها البطالة المقنعة التي أنتجت مهن اضطر أصحابها إلى مزاولتها أجبارا وليس رغبة منهم مضيفة ” حيث أن الكثيرين من الخريجين الذين حصلوا على شهادات تؤهلهم لان يحصلوا على وظيفة لم يجدوها رغم محاولاتهم المتكررة وهذا ما فرضته ألمحاصصة السياسية التي اثرت اثر سلبيا في الحصول على فرصة عمل لاسيما أن الكثيرين يطمحون في تحسين وضعهم المعيشي فتزداد الحاجة للحصول على المال لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم المشروعة مما يضطرهم إلى الالتحاق إلى مثل هكذا مهن لإشباع هذه الاحتياجات والتي تتمثل بالمأكل والملبس و يحتاج إلى المأوى حيث يضطر إلى أيجاد عمل يوفر له دخل مالي معين فليس هناك بديل أفضل من هذه المهن لتوفير مستلزمات المعيشة .

وبخصوص كيفية الاستفادة من هذه الطاقات الثقافية والعلمية والتي تذهب لأعمال لا تناسبها مع شعور الفرد بالإحباط النفسي والمعنوي لافتة إلى ” أن اللجوء إلى هكذا مهن تشعر الفرد بالنقص في ذاته وقدراته التي تذهب لأعمال لا تحقق المستوى المطلوب الذي يطمح به فيجد نفسه مهمش في ظل عدم وجود عمل يناسب قدراته العقلية والثقافية وهذا ما يؤثر سلبيا على تطور وتقدم البلد في نفاذ هذه الطاقات في مهن كان الأجدر بها أن ترسخ وتجد بيئة سليمة لاحتضانها وتطويرها من خلال أيجاد فرص عمل وإقامة مشاريع عمرانية وثقافية وخدمية في مختلف وزارت الدولة لاستثمار هذه القدرات فيما يخدم البلد وانتشالهم من واقعهم المرير .

 ” مناشدات حمال “

 

وما جعل هؤلاء الحمالين أن يتجرعوا قسوة هذه المهنة وأثارها النفسية والصحية التي تخلفها على ممتهنيها لاسيما أن الكثيرين ممن امتهن الحمالة هم من أصحاب شهادات وخريجين علقوا أمالهم وطموحاتهم على حائط اليأس بعد أن اشتدت بهم الفاقة واحتل حياتهم الحرمان ليضطروا ملتجئين إلى هذه المهنة علها أن تخفف عنهم الضائقة المادية التي يعيشونها بعد أن فشلت جميع محاولاتهم في الحصول على وظيفة وفرصة عمل وما وجدوه هو حمل أوزان ثقيلة لمسافات طويلة مضطرين على تحمل معاناة أخرى كانت اخف لهم من معاناة الفقر المدقع الذي يعيشونه لتذهب طاقاتهم العلمية والثقافية في سلة الإهمال ونحن نرى العشرات من الشباب ومن شاخ عليه الزمن منذ أوقات الصباح الأولى يسحبون عربة حيث أصبحت ملاذهم الوحيد الذي يلجؤون أليه وهم يناشدون المسؤولين في الحكومة الرأفة بهم وإيجاد فرصة عمل وتحسين وضعهم المالي كحق مشروع كونهم مواطنين

اترك ردا