3 - الصفحة الثقافية عام

قصيدة “عاشقة الليل” لنازك الملائكة

قصيدة “عاشقة الليل” من القصائد الرومانسية المبكرة في مسيرة الشعر العربي المعاصر وفي مسيرة نازك الشعرية ايضاً فلقد تصدرت ديوانها الأول الذي حمل اسم القصيدة التي تعد من نوع القصائد ذات النزعة الروماسية الحالمة وربما شابها شيء من نزعات التأمل التي حاولت من خلالها الشاعرة إستكناه أسرار الوجود في أجواء الليل المتدثرة بالظلمة والقابعة في السكون المطلق الذي يهيء للإنسان فرصة للتأمل والغوص في أعماق أسرار الكون والوجود، كما تحكي لنا الشاعرة قصتها مع هذا الليل حيث نراها تخرج تحت جنح الظلام حاملة معها شجوها وأساها عسى أن تفرغ هذا الشجو والأسى في جوف الليل من خلال مناجات ظلمته وأشباحه المتلفعة بالعتمة.

ياظلام الليل ياطاوي أحزان القلوب
أنظر الان فهذا شبح بادي الشحوب
جاء يسعى تحت أستارك كالطيف الغريب
حاملاً في كفه العود يغني للغيوب
ليس يعنيه سكون الليل في الوادي الكئيب
هو ياليل فتاة شهد الوادي سراها
أقبل الليل عليها فأفاقت مقلتاها
ومضت تستقبل الوادي بألحان أساها
ليت آفاقك تدري ما تغني شفتاها
آه ياليل وياليتك تدري ما منها
جنها الليل فأغرتها الدياجي والسكون
وتصباها جمال الصمت والصمت فتون
فنضت برد نهار لفّ مسراه الحنين
وسرت طيفاً حزيناً فإذا الكون حزين
فمن العود نشيج ومن الليل أنين

المحاورة: أطيب أحلى تحية لكم مستمعينا الكرام وأنتم تتابعون سير القصائد من اذاعة طهران العربية. معنا في الستوديو خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان أرحب بك دكتور أهلاً وسهلاً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الأكارم
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: الذين كانوا لنا دوماً خير دافع لمواصلة هذا البرنامج وأشكركم على هذه الإستضافة
المحاورة: شكراً لهذا الحضور. دكتور في حلقة هذا الأسبوع سنتحدث عن النزعات الرومانسية الحزينة التي تميزت بها الشاعرة العراقية المعاصرة وطبعاً أحد أعلام الشعر الحر نازك الملائكة التي تركت بصماتها الواضحة على مسيرة الشعر العربي المعاصر من خلال ديوانها “شظايا ورماد” الذي نظرت فيه لما سمي في تاريخ الشعر العربي الحديث بالشعر الحر فأرجو أن تسلط الأضواء على هذا الجانب من شخصية الشاعرة
الشحمان: إن شاء الله سنحاول أن نسلط الأضواء على النقاط الغامضة في هذا المجال. لاشك أنكم تعلمون والمستمعين الكرام أيضاً يعلمون أن نازك الملائكة تمثل نقطة بارزة وقمة من قمم الشعر العربي بشكل عام والشعر العراقي المعاصر بشكل خاص وهي تعرف من الجيل الذي سمي بجيل الحداثة أي الجيل الذي عمل على نقل القصيدة العربية في جانب من جوانبها طبعاً من الإطار التقليدي الكلاسيكي الى الإطار الذي ذكرتموه وهو إطار الشعر الحر ومن بعد ذلك قصيدة النثر. هذا الجيل نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وتميز بنزعة رومانسية واضحة كانت هذه النزعة حزينة في بعض الأحيان كما نرى في نتاجات الشاعرة نازك الملائكة. في الحقيقة عرفت بشاعرة الحزن ولكنني أسميها بشاعرة النزعة الرومانسية الوجودية الحزينة، هذه النزعة نلاحظها تتجلى في كل بيت من أبيات دواوينها الكثيرة التي انتجتها، هذه النزعة الحزينة ليس مصدرها ظروفاً شخصية مرت بها الشاعرة او نتيجة لحالة فقدان أبيها مثلاً او أمها وما الى ذلك من ظروف تجعل بعض الشعراء يميلون الى الحزن بل على العكس من ذلك عاشت في بيئة غنية ومثقفة في نفس الوقت وكانت امها ايضاً شاعرة وكان ابوها ايضاً يشجعها على الشعر والأدب. هذه النزعة الحزينة التي نلاحظها في أشعار نازك الملائكة اذا صح التعبير هي تمثل حزناً فكرياً ووجودياً وكونياً، كانت الشاعرة نزاعة الى أن تطرح المسائل الفكرية والفلسفية الكبرى في أشعارها تحاول أن تناقشها وتحاول أن تصل الى نتيجة من وراء كل ذلك ولكنها كانت تصطدم في كل محاولة بأن كل هذه الأسرار التي تحاول إستكناها كانت مغلقة ومستعصية عليها فأدى ذلك الى حدوث ردة فعل عند الشاعرة التي ربما كانت تكلف نفسها فوق طاقتها يعني حاولت أن تستكنه بعض الأسرار التي يعجز العقل البشري المحدود والقاصر عن إكتشافها كلها ..
المحاورة: ولذلك دكتور نرى كل من يقرأ ديوانها يستشعر الكآبة الموجودة في ديوانها وفي أشعارها جميعاً
الشحمان: نعم الكآبة والحزن والميل الى العزلة والإنطواء نتيجة هذه النزعة التي كانت تراودها منذ طفولتها، نزعة الى محاولة فهم الوجود، فهم الكون وفهم مصير الانسان في هذه الحياة فهذه الأفكار إنعكست فيما بعد على صعيد أحاسيسها ومشاعرها وعواطفها فإنقلبت الى نزعة حزينة في قصائدها وتدفقت هذه القصائد آهات وأحزاناً كما نلاحظ ذلك في دواوينها، نفس الدواوين تحمل عناوين توحي بالحزن والكآبة من مثل ديوان عاشقة الليل
المحاورة: شظايا ورماد ايضاً
الشحمان: نعم ديوان شظايا ورماد وديوان مأساة الحياة والكوليرا ومرثية يوم تافه والصلاة الأشباح والغرباء وخاصة ديواني مأساة الحياة وعاشقة الليل الذي تفضلتم بقراءة قصيدة من قصائده، نرى هذه الروح الحائرة المضطربة الحزينة المكفهرة في بعض الأحيان منتشرة في جميع أرجاء قصائدها. يبدو لي أن اذكر تفسير الشاعرة نفسها لظاهرة الحزن الذي نلاحظه في أشعارها حيث تقول عندما سئلت عن سر هذه النزعة، تقول في الجواب على ذلك: لعل سبب ذلك أنني أتطلب الكمال في الحياة والأشياء وأبحث عن كمال لاحدود له وحين لاأجد ما أريد أشعر بالخيبة وأعد القضية قضيتي الشخصية. يضاف الى هذا انني كنت الى سنوات خلت أتخذ الكآبة موقفاً إزاء الحياة وكنت أصدر هذا عن عقيدة لم اعد أؤمن بها مضمونها أن الحزن أجمل وأنبل من الفرح.
المحاورة: نعم اذن هذه كانت فلسفتها في الحياة
الشحمان: نعم وأشارت الى أنها ربما غيرت هذه النظرة الى الحياة في اواخر عمرها. نعم هنا احب أن أذكر نموذجاً من الأشعار التي تميل الى هذه النزعة الرومانسية الحزينة، لها قصيدة تحمل عنوان “أنا” تقول:

الليل يسأل من أنا؟
أنا سره القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرد
قنعت كنهي بالسكون
ولفتت قلبي بالظنون
وبقيت ساهمة هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون؟
الريح تسأل من أنا؟
أنا روحها الحيران، انكرني الزمان
أنا مثلها في لامكان
نبقى نسير ولاإنتهاء
نبقى نمر ولا بقاء
فإذا بلغنا المنحى
خلناه خاتمة الشقاء
فإذا فضاء !
والدهر يسأل من أنا؟
أنا مثله جبارة أطوي عصور
وأعود أمنحها النشور

الشحمان: نعم هذا منقصيدة طويلة لايسع المجال لقراءتها كلها تعكس لنا وهي تصطدم في نهاية قصائدها بصخرة عدم الجدوى من محاولة فك رموز الوجود والكون.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لك دكتور لهذه الإيضاحات حول شخصية شاعرتنا لهذه الحلقة نازك الملائكة. نأخذ فاصل قصير ثم نعود لحضراتكم مستمعينا الكرام.
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام وتواصل عاشقة الليل مناجاتها لظلمات الليل بنغمات حزينة هادئة وتحث نفسها على أن تشدو بألحانها على إيقاع هدوء المساء الحافل بالصور الهادئة الجميلة فتصدح قائلة على ألحان عودها:

إيه ياعاشقة الليل وواديه الأغن
هو ذا الليل صدى وحي ورؤيا متمن
تضحك الدنيا وما أنت سوى آهة حزن
فخذي العود عن العشب وضميه وغني
وصفي ما في المساء الحلو من سحر وفن
ما الذي، شاعرة الحيرة، يغري بالسماء ؟
أهي أحلام الصبايا أم خيال الشعراء ؟
ام هو الإغرام بالمجهول او ليل الشقاء ؟
أم ترى الآفاق تستهويك ام سحر الضياء ؟
عجباً شاعرة الصمت وقيثار المساء
أنصتي هذا صراخ الرعد هذي العاصفات
فإرجعي لن تدركي سراً طوته الكائنات
قد جهلناها وضنت بخفاياه الحياة
ليس يدري عاصف المجنون شيئاً يافتاة
فإرحمي قلبك، لم تنطق هذي الظلمات

المحاورة: في نهاية هذه الحلقة من برنامج سير القصائد مرة اخرى اتقدم بالشكر الجزيل لضيفنا في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان، دكتور شكراص جزلاً بك
الشحمان: وأنا اتقدم بشكري لكم وللمستمعين الكرام الذين تفضلوا بمتابعتنا ونأمل أن نجدد اللقاء بكم إن شاء الله.
المحاورة: إن شاء الله في الحلقة القادمة من البرنامج سنلتقي بكم وبالمستمعين الكرام حتى الملتقى دمتم في أمان الله وعونه.

 

اترك ردا