عام فنون ومسرح

فيلم عراقي في “أبوظبي” السينمائي يوثق إبادة البشر من قبل نظام صدام

فيما يشبه ترميم الذاكرة أو استعادتها يسعى المخرج العراقي شوكت أمين كوركي الذي تغرب عن مدينته كركوك في العراق نحو 25 عاما لصناعة أفلام لا تستهدف جلد الذات ولا توجيه اللعنة إلى قاتل وإنما لكي ترصد أيضا جوانب من التحولات الاجتماعية في المجتمع وتأخذ منها موقفا يتأرجح بين الإدانة والسخرية.

وكان فيلما كوركي السابقان (ضربة البداية) و(عبور الغبار) أقرب إلى رد الفعل الفني الغاضب عقب إنهاء حكم صدام حسين عام 2003 أما فيلمه الجديد (ذكريات منقوشة على حجر) فهو فيلم داخل فيلم وبطله “حسين حسن” تربى منذ الصغر على حب السينما وشاهد كيف اعتقل رجال حزب البعث العراقي أباه -عامل العرض في السينما- مع آخرين أثناء مشاهدتهم فيلما لا يرضى عنه النظام الذي قتل أباه لاحقا.

 والفيلم بحسب قراءة لخصتها “المسلة ” في رويترز، الذي يقول إن صدام قتل في عملية الأنفال عام 1988 أكثر من 180 ألف كردي لا يميل إلى الميلودراما ولكنه يعالج قضيته بالمفارقات وكيف أن الذين نجوا من القتل لا يؤمنون -مثل الجيل السابق- بفن السينما ويقفون عقبة في سبيل صناعة فيلم يوثق المأساة ويعيد “تمثيلها”.

 وفي الفيلم يتصارع جيلان.. أحدهما في شيخوخته وكان شاهد عيان على “حملة الأنفال” ونجا منها ولا يريد أن يتذكرها والآخر -وتمثله بطلة الفيلم “سينور” التي تؤدي دورها الممثلة شيماء مولدي- لديه ذكريات مشوشة عن المأساة وبعضا من الرسوم والنقوش على الجدران ولكنه يؤمن بأن صناعة فيلم أكثر أهمية من تأمين مستقبله الشخصي.

 وعرض الفيلم مساءالسبت ضمن مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان أبوظبي السينمائي وينظم له يوم الاثنين عرض ثان.

وداخل فيلم كوركي (ذكريات منقوشة على حجر) تبدأ الأحداث بمخرج مشروع فيلم (الأنفال) “حسين حسن” وهو يبحث مع صديقه –الممثل نظمي كيريك- عن فريق يؤدي أدوارا تمثيلية في فيلم “عن الإبادة الجماعية” ولا يجدان ممثلة مناسبة ثم تبدي الفتاة “سينور” رغبتها في القيام بالدور في مغامرة تهدد مستقبلها في الزواج من ابن عمها ومن تبرؤ عمها منها.

 ويعثر المخرج على ممثلة إيرانية فتواجهه عقبات في حجابها الذي سيؤدي الاستغناء عنه في تصوير الفيلم إلى غضب أسرتها ثم يجد المخرج صعوبة في العبور بمعدات التصوير ويلجأ إلى تهريبها فوق حمارين عبر الحدود وتتوالى المفارقات التي تؤكد إصراره على إنجاز مشروع الفيلم.

وبعد الحصول على موافقة عم “سينور” على مشاركتها في الفيلم تتوالى مفارقات منها اقتحام خطيبها وأبيه موقع التصوير أثناء مشهد يتم فيه تعذيبها فلا يتردد العم في سب الممثل ظنا منه أنه “بعثي قاتل” ولا يقتنع بأنه مثله يقوم بدور الجلاد.

ولكن الفتاة التي قتل أبوها في “عملية الأنفال” تضحي بخطيبها ومستقبلها من أجل القيام بالدور وتكشف للمخرج أنها هي تلك الطفلة ابنة الأعوام السبعة التي نجت من القتل في معسكر الاعتقال وأن أباها كان نقش بعضا من ذكرياته على الجدار ثم قامت بتوثيق وقائع أخرى في أوراق تسلمها للمخرج الذي يتلقى رصاصة من خطيبها أثناء تصوير أحد المشاهد.

ويدخل المخرج المستشفى قبل اكتمال التصوير ويسعى رجل أعمال لإنقاذ الفيلم بشرط إسناد الإخراج لصديق له. ورجل الأعمال وصديقه يسعيان لتغيير وجه المنطقة ليصبح مجتمعا استهلاكيا يخلو من دور العرض حتى إن السينما الوحيدة في طريقها لتصبح مطعما للوجبات السريعة.

ويخلو الفيلم ومدته 97 دقيقة من جملة حوار صريحة تدين شيئا أو أحدا ولكنه يشير إلى واقع معقد ومأزوم وغير محصن ضد الفساد وبعد تخلصه من الدكتاتورية أصبح خاضعا لتقاليد قاسية تسود فيها وجهة النظر الذكورية.

وينتهي فيلم كوركي (ذكريات منقوشة على حجر) بدخول مخرج فيلم (الأنفال) على كرسي متحرك لينضم إلى حضور عرض الفيلم في إحدى الساحات تحت المطر حيث لا توجد دار للسينما التي سعى كوركي لتقديم التحية إليها كذاكرة فنية للأجيال.

 والدورة الثامنة لمهرجان أبوظبي السينمائي يشارك فيها 197 فيلما من 61 دولة.

 

اترك ردا