عام فنون ومسرح

ذاكرة السينما: حكاية الريح

هذا الفيلم يندرج تحت مايطلق عليه “سينما الواقع” التي دخل تجربتها وسبر غورها المخرج الفرنسي جان رينوار الذي قدم فيلما تسجيليا عن نهر الفانج في الهند تحت عنوان “النهر” وهو ضمن الموجة الجديدة التي ظهرت في السينما مثل الريبورتاج خاصة في افلام فرانشيلو روزي متمثلة في فيلم “مواطن فوق الشبهات” وهذه الموجة من الافلام اظهرت الفساد بمختلف صوره كالمتاجرة في البشر وبيع الاملاك والعقارات وبناء العمارات التي سرعان ما تنهار بفعل الغش وظهور عصابات المافيا وغيرها مما يطوف على السطح اليوم.
وفيلم (حكاية الريح) تبدو فكرته مجنونة كما وصفها النقاد حيث ابتكرها المخرج التسجيلي جوريس ايفانس وهو مخرج عجوز يعيش بنصف رئة ويعاني من ضيق التنفس.فهو عبر فيلمه يصور الغير ممكن. فهل بامكان الكاميرا ان تصور الريح ووقت هبوبها؟ وتظهر لنا لقطات الفلم المخرج يذهب الى صحراء الصين منتظرا هبوب الريح.
وقصة الفيلم تتركز بهيئة مخرج سينمائي لديه تصورات واوهام ويعتقد انه يستطيع تحقيقها, وهذا المخرج حمل القابا شتى مثل الهولندي الطائر والثوري العجوز ذو النقاوة الثورية.بطل الفيلم يطارد الريح في أي مكان ، يتعقب اخبارها ، بل يخطط الى الامساك بها رغم يقينه انه رجل عجوز لايمكنه الامساك بالمستحيل. فهي ريح تاتي ولاتاتي. تهب من الشمال او من الجنوب او قد تسكت وقتا طويلا. ولقطات الفيلم تظهر الرجل العجوز يصعد الى قمة جبل يحمله بعض افراد طاقم الفيلم على نقاله لكي يقف على قمة العالم ينتظر الريح متى تعلن غضبها . ويثبت المخرج مايكرفونات على كثبان الرمل وبعد انتظار تظهر سيدة صينية تعلن انها قادرة بسحرها على قدوم الريح ويسخر ايفانس من العجوز ويسألها عن ثمن أتعابها اذا فعلت ذلك. وقبل ان تجيبه العجوز اردف يخاطبها: “لم اعد اؤمن بان العلم يمكن ان يجد حلولا لكافة مشاكلنا الان. انا اؤمن بالسحر. هيا احضري لنا الريح بسحركِ”.
وتهب الريح فيهب هو لمعانقة العجوز ويضمها الى صدره وتكون ختام اللقطة بخروج ايفانس من الكادر ويبقى الكرسي الملقى فوق كثبان الرمل ليعكس فكرة الفيلم التي تقع بين الواقع والخيال بين العلم والسحر وهو تعريف المخرج فهو يقول:عندما تقدم فيلما عليك ان تكشف الحقيقة ان تقول ان النهر جميل سواء اكان يجري من اليسار الى اليمين فلايعني ذلك شيئا ذا اهمية. المهم هو مدى عمق النهر وما اذا كانت الاسماك فيه سعيدة.
من افلام هذا المخرج التسجيلي:(الجسر والمطر) وفيلم (يوريناج) عام 1932 وهو عن اضراب عمال المناجم في بلجيكا وقدم فيلم (الارض الاسبانية) عام 1937 بالتعاون مع الكاتب همنغواي ثم فيلم (400 مليون) عن كفاح الصين ضد الغزو الياباني. حصيلته من الافلام 50 فيلما تسجيليا وقد اعتبر بحق رائدا منفردا في هذا المجال في سينما الواقع.

اترك ردا