7 - تقارير وتحقيقات عام

تدمير الآثار الآشورية تآمر على الإنسانية

الإنسان غير باق، الإنسان متغير متبدل، اليوم انا هنا وغدا في البرزخ، أنما الحضارة والتاريخ والأرض تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل نحن أقدم حضارة نحن القمة التي يطمح الصعود اليها الجميع ولن يستطيع أكثرهم أن يصل ربعها وبعضهم وصل النصف أما من هم في الحضيض فلابد أن يصيبهم الحقد اتجاه ما لم يستطيعوا مجاراته وهذا الحقد يتبعه تمني زوال النعمة وبعد التمني يأتي دور التنفيذ الذي يفعله من بقلبه الشر والقسوة وسوء تربية والفهم الخاطئ للدين وانعدام الضمير فينفذ احقاده بإزالة النعمهة التي رآها.

هذا تفسيري لما حدث من المخربين الضالين الذين اعتدوا على حضارتنا بالسفك والدماء وحاولوا قتلها لكن هيهات فنحن حضارة تحيى كل يوم وكلما حاولوا خنقها انطلقت فوق السحاب وبكل مرة اعدموها كانت روحها تصنع جسدا جديدا حيث الأرواح لاتقتل ولاتغيب. كنت اتساءل ما وراء ما يحدث من قتل وإرهاب في بلدي ما هذه الفوضى المنظمة الخلاقة لكل ما هو مسيء وبشع؟ جاءتني الإجابة قبل أن أنهي سؤالي جاءوا من كل صوب واجتمعوا كما اجتمع أبناء الجاهلية لقتل النبي من كل قبيلة وأحد وهاهم يعيدون أنفسهم أهل الجاهلية والضلال بقتل العراق الذي حاشى لله أن أقول أنه نبي حيث لا لغط في الدين إنما النبوة ليست فقط انسان إنما الأرض رسالة والحضارة رسالة وبلدي رسالة للعالم للتقى للمجد للعلى بلدي موطن أقدم من جدك الألف الخامس بلدي كان في القمة قبل سبعة آلاف سنة حين انت بعد آلاف السنين مازلت حضيضا لم يكن هدفكم الناس بانت الاعيبكم هدفكم الأرض والتاريخ والحضارة هدفكم المكون الإنساني المتوارث جيلا بعد جيلا خطتكم بدأتم بها منذ زمن وتنفذونها كل مدة بشكل جديد وقناع مختلف ومسمى مختلف أنما الهدف واحد الخطة واحدة.

الجماعات التكفيرية مهما تباينت اسماؤها من قاعدة وتكفير وهجرة، وداعش التي تدعي الجهاد، والجهاد منها براء، تمثل فتنا من فتن الليل المظلمة التي أخبر عنها سيد المرسلين سيدنا محمد”صلى الله عليه وسلم”، هي الليل المظلم الذي يحاول انتهاك شرف وحرمة الحضارات الانسانية تحت مزاعم نصرة الدين!
فالجريمة الشنعاء بحق الانسانية التي ارتكبها تنظيم داعش مؤخرا في متحف الموصل أمام سمع وبصر العالم وهو يهدم التماثيل الاثرية باستخدام المطارق وأدوات الحفر، من بينها تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين وتمثال للثور الآشوري المجنح داخل المتحف يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، انما يهدف بالاساس الى محو الذاكرة الحضارية للوطن العراقي المكلوم بالفوضى والدمار والدم المراق ليل نهار.
وليس الامس ببعيد عن يومنا، فشعوب العالم كلها تقاطرت ادمعها حين قامت جماعة طاليبان في 6 مارس 2001 بتفجير تماثيل بوذا في افغانستان بعد فتوى اصدرها الملا عمر، بأنها اصنام يعبدها الناس!
وما ان تمر بضعة سنين حتى خرج مرجان سلم بدعوة للتكاتف لهدم الاهرامات وابو الهول تنفيذا لتعاليم الشرع بازالة الاصنام كما فعلوا وحطموا تماثيل بوذا بافغاستان.
أما الدواعش، فلم يكتفوا بهدم الاديرة والكنائس وقتل مسيحيي سوريا والعراق ومن قبلهم المواطنين العراقيين من الديانة اليهودية والايزيدية وزرعوا الطائفية المقيتة في قلوب أهلنا الذين كانوا مرتبطين بعلاقات النسب والدم والجيرة والاخوة، ولم يكتفوا بجرائم الذبح وقطع الرقاب وحرق البشر، واستعباد النساء وسبي الفتيات واغتصابهن، فاتجهوا إلى تدمير التراث الإنساني، وحرموا البشرية من تراث حضاري عالمي شمال العراق، ورثه العراقيون قبل الميلاد بقرنين.
فالدواعش الارهابيون، يحملون في داخل أنفسهم عداءً للتراث الإنساني، ويسعون لمحو الذاكرة الحضارية للشعوب، فلاتبقى سوى ذاكرتهم الدموية، ولعل اكبر برهان على ذلك انهم قاموا بتحطيم تمثال الخليفة العباسي هارون الرشيد في الرقة في سوريا، بعد ان ظل هذا التمثال لمئات السنين في مدينة إسلامية.

صمت وخيانة
والسؤال الحائر كيف يصمت العالم امام هذه الجرائم بحق التراث الانساني؟ فتدمير آثار الحضارتين الآشورية والهلنستية التي يعود تاريخها إلى قرون قبل ميلاد المسيح، وما رافقه من حرق العديد من الكتب والمخطوطات التراثية، تعد كنوزا خالدة ولاتقدر بثمن ولن يستطيع العالم ان يعوضها.
فاذا كان الدواعش يسفكون دماء الشهداء الابرياء الإنسان، فان الإنسان زائل، اليوم حي وغدا في البرزخ، بينما الحضارة والتاريخ والأرض تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل. وخلود الاثار الحضارية في بلادنا طوال هذه السنوات، وهي اقدم حضارة عرفها التاريخ ولم يستطع العالم ان يأتي بربع قيمتها الحضارية، هو الذي حفظ الاجيال العربية بالعراق، ومنح للاجيال المختلفة معنى القيمة الحضارية التي تواجه التحديات في مختلف الازمنة.
ولاشك ان الدواعش وكل الجماعات التكفيرية مرضى بالحقد تجاه كل ما لايستيطيعون مجاراته وهي الروح الحضارية، بل انهم مصابون بالعديد من مركبات النقص الانساني والعقلي، ولست أدل على قصور عقولهم بل هو فهمهم الضال لحقيقة ديننا الاسلامي السمح والذي أبقى على الحضارات القديمة في عهد الرسول وخلفائه وكل فترات التاريخ الاسلامي حتى وصلت الينا خالدة ونحن في الالفية الثالثة للميلاد.
لقد طمس الله تعالى قلوب وعقول الدواعش الارهابيين بظلمهم ونتاج قسوة قلوبهم وتآمرهم على اوطاننا، فغفلوا عن حقائق التاريخ، والتي اثبتت كيف فعل التتار ببلدنا من حرق وتدمير لكنهم في النهاية رحلوا وبقيت بلادنا واوطاننا وذاكرتنا وحضارتنا، فحضارتنا العراقية اليوم مهما حاولوا قتلها فانها لن تموت ولن تضيع فنحن حضارة تحيى كل يوم وكلما حاولوا خنقها انطلقت فوق السحاب وبكل مرة اعدموها كانت روحها تصنع جسدا جديدا حيث الأرواح لاتقتل ولاتغيب.
قبيل مجيء الدواعش كنت اتساءل ما وراء ما يحدث من قتل وإرهاب في بلدي ماهذه الفوضى المنظمة التي تريق الدماء وتاتي على الاخضر واليابس؟،وسرعان ما جاءتني الاجابة قبل أن أنهي سؤالي، الخونة والمتآمرون جاءوا من كل صوب واجتمعوا كما اجتمع قبائل الجاهلية لقتل نبي الرحمة. فاليوم يجتمع اهل الجاهلية للقضاء على وطني العراق بلد حضارة سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.
بهدم الحضارة الاشورية، انكشف غطاء الدين المزيف للدواعش، وانجلت اهدافهم الخبيثة، فلايعنيهم دينا ولا شرعا هدفهم الأرض والتاريخ والحضارة هدفهم المكون الإنساني المتوارث جيلا بعد جيل، ومؤامراتهم بدأت منذ زمن وينفذونها كل حقبة تحت قناع مختلف ومسمى مختلف أنما الهدف واحد الخطة واحدة.

أول كتابة في التاريخ
كانت ولاتزال الحضارة الاشورية التي بناها الاجداد في وادي الرافدين رمزا للتطور التاريخي الانساني وتاريخ الكتابة على الالواح الحجرية في أولى الكتابات باللغة المسمارية، كما تدون الأساطير على الألواح الحجرية، وسنت أولى القوانين وتم دراسة علم الفلك ورصد النجوم، ووضعت أولى المسائل الهندسية حيث صنعوا العربة، وبنو السدود على الأنهار، واشتهرت حضارتهم بفن النحت والعمارة وعبر منحوتاتهم سنكتشف قيمة حضارة ما بين النهرين التي هي الأقدم والأعرق والأكثر حضارة تأثرا على البشرية حتى يومنا هذا، فهذه الحضارة المدنية وصلت إلى أعلى درجات الرقي والتقدم في كل المجالات وامتدت ما بين النهرين الى مصر وتخوم الصين، ونشرت المدنية والعلم والمعرفة في كل أرجاء العالم.
ولايغيب عن عاقل ان الجريمة النكراء التي ارتكبها الدواعش بحق تراثنا الاشوري وتحطيم آثار متحف نينوى بالموصل، بما فيه من محتويات أثرية عريقة، يقف وراءه مخطط استكمال طمس الهوية العراقية ومن بعدها طمس الهوية العربية كلها لصالح الصهيونية العالمية، ولعل ما يبرهن على ذلك ان الهجمة الوحشية بحق تراثنا الاشوري سرعان ما اعادت لذاكرتنا لحظات الغزو الامريكي للعراق وما ترتب عليه من سرقة اثار المتحف العراقي، سرقة لوحة الأَثر البابلي ابان غزو امريكا للعراق عام 2003، وهو الاثر الذي قام به الملك “نبوخذ نصر” لليهود العبرانيين.
ووفقا للمختصين في تاريخ العراق، فان شمال العراق حظى بحضارة عظيمة أقامها الآشوريون، وقد جمع الأثريون أعمال هؤلاء مؤسسي الحضارة الآشورية في متحف تاريخي كبير ومهم ضمَّ آثار الآشوريين، وتؤرخ لفترة تاريخية من تاريخ البشرية، فقد أظهرت اللقطات التلفزيونية التي صاحبت تدمير المتحف انه جرى التدمير لتماثيل ومقتنيات أثرية تعود لحضارات وادي الرافدين، منها الثور الآشوري المجنح، والذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وتدمير ثور مجنح آخر موجود في بوابة تركال الأثرية في مدينة الموصل.
والعالم يشهد لحضارة وادي الرافدين السومرية والأكدية والأشورية والبابلية، وكيف سبقت حضارات العالم في اختراع الكتابة وفي بلاد سومر كانت اولى المدارس الانسانية، كما كانت الحضارة السومرية اسبق الحضارات في وضع القوانين والتي مازالت حاضرة في كافة التشريعات قوانين حمورابي، كما بقيت انجازات الحضارة السومرية في التخطيط للسيطرة على الفيضانات، وإنشاء السدود وحفر القنوات والجداول ومعجزات الري.
ورغم كل هذه الوحشية بحق تراثنا الخالد فانه سيبقى شاهدا على عظمة تاريخنا وان هذه الجريمة لن تمحي تاريخ الاجداد، فمتحف باريس يحفظ جزءا من تاريخنا الاشوري فتلك هي مسلة حمورابي الشهيرة المنحوتة من حجر الديوريت الأسود والمحفوظة في متحف اللوفر بباريس، تعتبر واحدة من أقدم وأشمل القوانين في وادي الرافدين والعالم، وتحتوي على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة، وبالتالي فلن ينسى العالم كله القائد حمورابي القائد العسكري والقائد الاداري واكبر مشرع مدني.
والجريمة النكراء للدواعش السفاحين اهدرت تاريخ نينوى وتراث تاريخي لثلاث حقب من التاريخ الآشوري والهلنستية والبارثية، بزعم انها اصنام سرعان ما ردت عليها دار الافتاء المصرية مؤكدة انها فتاوى شاذة ولاتستند الى ادلة شرعية، ومؤكدة ان الإسلام حافظ على تراث الحضارات والآثار في مصر وبلاد الرافدين ومختلف الحضارات التي سبقت الإسلام، بل اثبتت إنه يوجد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تنهى عن هدم تراث الأسلاف مستشهدة بالآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6) إِرَمَ ذَاتِ العماد (7) الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُهَا فِي البلاد (8) وثمود الَّذينَ جَابُوا الصَّخْرَ بالواد)، بجانب حديث الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم” الذي نهى فيه عن هدم آطام المدينة والمقصود بها الحصون.
ولابد ان تتكاتف دول وشعوب العالم للقضاءعلى الدواعش وارهابهم بعد هذه الجريمة الوحشية بحق حضارتنا الاشورية، خاصة انه اذا لم نقض عليهم، فانهم سيواصلون نهش اعراض باقي التراث الانساني العالمي في ليبيا التي تضم الاثار اليونانية والرومانية، وكنوز الحضارة الفرعونية والرومانية والقبطية والاسلإمية في مصر.

اترك ردا