7 - تقارير وتحقيقات عام

في أبغض الحلال.. الطلاق !.. ظاهرة تنخر في نسيج المجتمع العراقي والأسباب كثيرة

البداية كانت في محكمة الاعظمية باقسامها المتعددة التي تتضمن قضاة متعددين (جزائريين/ مدنيين/ شرعيين/ بدائيين)..
ومنهم من يحكم بالاعدام او السجن المؤبد. وكانت قضيتي لا تتعدى عن تغيير اسم الجد من (فلان) الى (فلان) اخر. واللعنة على احصاء عام 1957 الذي اوجد هذه الخطايا والجروحات في سجلنا المدني العراقي. وليتذكر كافة العراقيين من عمري، بان سجلنا المدني المعاصر قد ابتدأ في 1/7/ منذ ذلك العام المذكور، وما زالت تأثيراته سارية لم تحسم بعد.
الطريف والمؤسي انه في محكمة الاعظمية وفي صالة المحكمة الواسعة تجد عددا من النساء المحجبات اللواتي ينتظرن دورهن في مواجهة قضاة هذه المحكمة. وجميعهن متبتلات لحكم القضاء الدنيوي العراقي، بعد ان افتقدن حكم السماء الواسعة لاسباب متعددة، وهي حصليتنا في الاستطلاع التالي:
صالة الانتظار في المحكمة المذكورة كانت تتيح لنا الاندماج مع حجم النساء القابعات فيها. ولان هذه النساء مجروحات ومتألمات من اسباب حياتية واقتصادية فقد اثرت السيدة (….) ان تقول لي:
ـــ لست معنية بارتباطي بزوجي، ولكن اهلي هم السبب في التفريق بيني وبينه، وهم الذين حملوه التزامات واشياء قد لا يوفرها. ولكن سكني مع اهلي هو داء المصائب وعلة التفريق بيني وبينه، لاسباب تافهة، قد يعرفها المجتمع العراقي. وها هي عائلتي تجبرني على الحضور في هذه المحكمة، من اجل حق التفريق الذي قد لا يكون قانونيا.
وتقول السيدة (ام علي): اجبرت على تطليق زوجي، بفعل الطائفية المقيتة بين عائلتي وعائلته حينما بدأت المعارك الطائفية في (الاعظمية) ببغداد. لست مختلفة مع زوجي العزيز، الا انهم صيروا لي قضايا واعتبارات ومحن التي تجعلني في حكم الخطر، فاجبروني ان اكون في هذه المحكمة.. وهذا هو حكم فرعون!
اما السيدة (…) فتحدد محنتها بالكلمات التالية:
ــ لم اجده شريكا حقيقيا في حياتي، لان هذا الشريك كان يستغل غيابي اثناء الدوام الرسمي، وانا مدرسة العلوم المعتبرة ازاء مدرستي والجيران والمعارف. وتضيف بحرقة:
ــ بشكل فجائي، داهمت البيت، واذا اجده يطارح الغرام مع امرأة غريبة على فراشي، ولهذا فانني ارفض هذا الرجل بحكم القانون، اذ ليس بالمستطاع ان اعيد الصلة به بالمرة لا بسبب حالة الزنى المتلبس فيها، وانما احتراما لكرامتي وعزة نفسي.
سنين خاسرة

سيدة اخرى، اجبرناها على التحدث عن مشكلة طلاقها في هذه المحكمة فقالت:
ـــ ماذا اقول عن رجل غادرني من عشرين عاما. احيانا في الدنمارك واحيانا في استراليا، واحيانا اخرى في كندا.
وتضيف قد يبعث لي المال على الدوام من اجل مواصلة سنيننا الخاسرة، لكوني زوجته وابنة عمه. اما ان يجعلني حنظلة في بلدي، وهو البرحي في بلاد الغربة، فهي قضية ينبغي حسمها اليوم في هذه المحكمة.
وتعتقد سيدة اخرى موجودة في هذه المحكمة، بان انفصالها عن الزوج، يرتبط بكسله واعتماده الدائم على راتبها الشهري وميراثها العائلي السابق، كأنها مصدر الانتاج، وهو مصدر الاستهلاك الدائم الذي يأكل ويقذف اكثر مما يجد او يرتزق في الحياة ولهذا تقول هذه السيدة اسعى لطلاقي منه، من دون ان يعيد نفسه مرة اخرى ضمن غلطة ثانية.
نقطة نظام

لا نغالي ان العراقي الذي ما زال يرضخ لمجتمعه البدوي حتى وان انتقل مخالفا كل نواميس التطور الاجتماعي الى عصر الاستهلاك، ضمن تناقضات العالم الثالث اجمالا. فالغزو الاستعماري السابق (العثماني/ البريطاني) حمل معه انتاجه، ونحن بالنسبة اليه مجرد سوق استهلاكية. وهنا نقطة نظام بين واقعنا الحضاري والحضارة العالمية الجديدة. من جهة اخرى تكشف ان سرعة التطور في الادوات اكبر بكثير من سرعة التطور في البنية العقلية، فاستخدامك للتلفزيون والانترنت ولمواقع التواصل عملية الية بحتة، غير ان اكتشافاتك لمستوى الابتكار عملية معقدة وطويلة، فماذا، اذن عن مشكلات المرأة العراقية وهواجها في يومنا الراهن..؟!
رأي باحث

يقول الباحث د. سلمان الحارثي: لست مؤتلفا او مختلفا مع هذه القضية، الا انني ما زالت اجد انها من القضايا الاجتماعيا المزمنة التي ينبغي ان تحتل الصدارة الاولى في الصحف وفي القنوات الفضائية ومواقع الانترنت. ومرحى ان تظهر اعمال بحثية ونقدية بحق المرأة العراقية حتى ضمن انساق التراجع والانحسار، تعيش في مواقف واحداث اكثر حداثة، ولكن تكاملا من مواجهة المرأة في العراق.
كرنفالات في حياة أخرى

في المحكمة المذكورة، اطلت علي سيدة مبتسمة بعد ان حسمت قضيتها مع القاضي، قالت فيما قالت: لقد حسمت امري في زوج غائب عني على الدوام، طالما ان جواز سفره من نوع (كرين كارت) وهذا يعني انه يعيش في ظل الكرنفالات والحياة الاخرى التي لا بمستطاعي التكيف معها. ومرحى لطلاقي الراهن معه.
وماذا بعد؟

المرأة العراقية ما زالت حتى وان كانت من طين او خرف/ تعيش في ازمة اجتماعية مستمرة. ولكن هذه المرأة لديها ما تقوله،
فهي الضحية او الخاسرة الاولى في المؤسسة الزوجية المتعارف عليها، لانها عندما تطلق على وفق قاعدة ابغض الحلال عند الله، مهما كانت الاسباب والدواعي فانها من الصعب عليها ان تجد بديلا اخر نظرا للاعراف الصارمة السائدة في نسيج المجتمع العراقي.

اترك ردا