3 - الصفحة الثقافية عام

عصفور يبحث عن وطن ..(فيصل عبد الحسن)اغتراب داخل محطة اختناق

فيصل عبدالحسن، روائي وأديب عراقي، لم تمنعه انشغالاته اليومية بين الهم الأدبي وواقعه المعيش الاجتماعي والأسري في المغرب، عن التفاعل الدائم والمتصل بأخبار وطنه الأم العراق.يطول يوم فيصل الذي يستهله باكراً بفنجان قهوة، جراء تتبع لأدق تفاصيل ما تنشره الصحافة عن بلاد الرافدين، أنباء طافحة بأحداث العنف والفساد المستشري في مفاصل النظام الديمقراطي الهش هناك.غادر صاحب «سنام الصحراء» وربيباتها من الروايات التي يصفها النقاد بالسهل الممتنع، أرض دجلة والفرات، في صبيحة يوم صيفي حار من أيام العراق الساخنة لعام 1995 بملابس المقهى،

لم يكن مهيئاً للسفر خارج البلاد ولم يدر ذلك في خلده قط في مثل تلك اللحظة،كيف لا، وقد تلقى الرجل إشارة صديق من مقربي حزب البعث الحاكم وقتها في العراق، تفيد بشروع جهاز المخابرات العراقي في اعتقال الأدباء النشطين والمعارضين للنظام الحاكم، بسبب ملف أدبي صدر في لندن يصف الأوضاع المتردية في البلاد، ويذكر كيف يعيش الناس في ظل حصار يحصي عليهم أنفاسهم، لم يكن مبدع رواية «فردوس مغلق»، يعرف أن رحلته الى خارج العراق ستطول لأكثر من 20 عاماً، هذه الرواية إلى جانب «سنام الصحراء» نشرتا في مجلتي «الأقلام» و»الطليعة الأدبية»، اللتين تعدان أشهر مجلتين أدبيتين متخصصتين في العراق في الثمانينيات، في الزمن الجميل كما يعتبره فيصل عبد الحسن، حيث أثار نشرهما عام 1985 جدلاً واسعاً حول الروائي الجديد آنذاك، فيصل عبد الحسن.كانت فترة حرب الخليج الأولى (1980 – 1988) مرحلة مريرة في تاريخ العراق المعاصر، حيث أُستنزف العراق مادياً وبشرياً، وشارك فيها مئات الآلاف من الجنود العراقيين، كان صاحب رواية «الليل والنهار» التي صدرت عام 1985 أحد هؤلاء الذين قُذف بهم في اتونها دون رحمة، ولد الروائي فيصل عبدالحسن عام 1953 في مدينة البصرة ثالث كبرى مدن العراق، والتي اشتهر أهلها بحب الثقافة، وسعة الاطلاع، وغزارة الفكر منذ تأسيس المدينة قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام. مواهب الصغير فيصل القصصية، لاقت عند بداياتها الأولى كل الاستحسان والتشجيع من لدن والده، الذي كان معلمه الأول، الذي علمه حروف الهجاء باختياره أبيات شعرية لأبي العلاء المعري، والمتنبي وأبي نؤاس وغيرهم من الشعراء الكبار ليتعلم الطفل فيصل هجائيته الأولى شعراً غزيراً من التراث العربي المجيد.كان عبد الحسن، والد فيصل يخط تلك الأشعار بخط يده الجميل، ويعلم منها الصغير كيف تكتب الحروف الهجائية، فضلاً عن قصص من القرآن الكريم، كان الأب يقرأها له، ما غرس في نفس الصغير حب التدين، وشغف بتلاوة القرآن والنهل منه، وأيضاً كان يقرأ له في كل ليلة من قصص ألف ليلة وليلة إلى فترة إكماله الأبتدائية، وفرح بعد ذلك ببروز مواهب ولده الأدبية خلال دراسته الثانوية، بدأت قراءات فيصل تتنوع مع توالي مراحله العمرية، فقرأ في الأدب لمكسيم غوركي، وليوتولستوي، وفيدور دوستيوفسكي، وتورجنيف، وبوشكين. ومن الأدب الفرنسي قرأ لفكتور هيغو، ومولير، وفولتير وغيرهم.كانت لحظة اختيار التوجه الدراسي الذي سيسلكه فيصل بعد حصوله على الباكالوريا بتفوق، غير يسيرة على الشاب الذي حار بين الأدب والعلوم. ليدخل على الخط معلمه الأول، الذي أوحى له بأن الأدب لا يطعم خبزاً في الوطن العربي، وذكره بمصير بدر شاكر السياب أكبر شعراء الحداثة في العراق، الذي أُلقي بأثاث منزله في الشارع لأنه لم يكن يملك ثمن ايجار شقته، وكانت الحكومة مغتاظة من شعره الثوري، المندد بها دوماً، وكذلك الشاعر العراقي معروف الرصافي الذي كان يبيع السجائر على الرصيف ليكسب لقمة عيشه، ومات وهو لا يملك داراً يسكنها بل في دار مؤجرة سرعان ما ألقى مالكها مخلفات الشاعر البسيطة إلى القمامة، حين لم يجد الشاعر المال لتسديد أجرة الايجار .بدأ اسم فيصل عبد الحسن يشتهر كمعارض للنظام السابق في العراق، حينما أُدرج اسمه ضمن قائمة الادباء المرتدين على النظام عام 1997، وكان اسمه الرابع بين ثلاثين أديباً وكاتباً عراقياً معارضاً غادروا العراق إلى المنافي، وعلى رأسهم الكاتب والاعلامي سعد البزاز، وهو ما كان في عرف النظام السابق حكماً بالإعدام.تعرض الكاتب لمحاولتي اغتيال فاشلتين في الأردن عام 1995، حينما كان يعمل في إذاعة «الحرية» السرية المعارضة للنظام العراقي السابق، كمحرر للمقالات التي تفضح وحشية هذا النظام، وتشير الى أسماء القائمين بتعذيب العراقيين في السجون والمعتقلات، ما جعله يترك الأردن خوفاً على عائلته ويغادر الى جنوب ليبيا ليعمل أستاذاً جامعياً في المعهد العالي للمهن الشاملة.يجمل فيصل القول وهو في الثانية والستين من العمر، بعدما خاض معارك شرسة بالبندقية والقلم، أن ثمة أمل، من أجل أرض أجداده العراق يقول: «تحيا الحياة.. شعاري الدائم في لحظات ضعفي وقوتي وعند خوفي وشجاعتي. ولذلك اخترت هاتين الكلمتين لتكونا عنواناً لأهم رواياتي التي واصلت كتابتها منذ كنت أعيش في وطني العراق وأكملتها في المغرب، وهي بحق عن حبي للعراق وطني الأول، وتطلعي الدائم للعودة إليه، ومعانقة ترابه وحلمي الكبير أن أدفن في ثراه الطاهر.

اترك ردا