عام فنون ومسرح

حياة ثقيلة.. رواية عن كابوس بلاد منذ دكتاتورية صدام

رصد الكاتب العراقي سلام إبراهيم في روايته (حياة ثقيلة) كيف أصبح العراق كابوسا لا يحتمل بعد سنوات الحلم بزوال القبضة الحديدية لحكم البعث تحت قيادة صدام حسين الذي أجبر الكثيرين على الهرب إلى المنافي ثم احتمى هؤلاء بالمنافي نفسها حين استبدلت السيارات الملغومة بالموت في أقبية معتقلات الدكتاتور السابق.

وبطل الرواية أحد الحالمين بالعدل والحرية وكان في شبابه من المفتونين بتشي جيفارا وناهض حكم البعث ثم لجأ إلى المنفى الاسكندنافي انتظارا لزوال حكم البعث ولكنه اكتشف أن المنفى حوله إلى “حالم مسكين يعيش الزمن كما يرسمه لا كما هو في الواقع” ويضطر للبقاء في الصقيع الأوروبي عن العودة غير المضمونة.

و(حياة ثقيلة) التي تبلغ 243 صفحة من القطع المتوسط حافلة بالأحداث ولا يلتزم السرد خطا تصاعديا ولكنه ينتقل من الحاضر إلى الماضي حين كان البطل صبيا وشابا ومجندا وهاربا ثم يعود إلى بلوغ البطل سن التأمل والأسى على سنوات ضاعت هباء فلا يملك إلا الانفصال عن الواقع والعيش في الخيال.

وسلام إبراهيم المقيم في الدنمرك يهدي روايته – التي صدرت في القاهرة عن (دار الأدهم للنشر والتوزيع) بغلاف صممه التشكيلي العراقي محمد مسير- إلى عبد الحسين داخل وناهدة جابر جاسم القرمزي.

وتبدأ الرواية بالبطل جالسا في الليل على حافة الستين خلف النافذة في منفاه الاختياري في الشمال الأوروبي وزوجته نائمة في الغرفة الأخرى ويعجب لحاله وكيف صار قليل الكلام “وحدي والستون تفرش أيامي. تحتل لحظتي. تحيط بي. تحاصرني” ويتأمل خيبات الأمل بعد أن صارت بلاده حلما عصيا رغم “سقوط الدكتاتور… أي حجيم يلاحقني..”.

وتنتهي الرواية بالبطل جالسا خلف النافذة نفسها وقد تجاوز الستين والغرفة الأخرى “فارغة باردة. لم أعد أتكلم مع أحد” ولم يعد باستطاعته الخروج إلى الشارع وينتظر موظف الرعاية الاجتماعية كي يجلب له الطعام ولا يملك إلا أن ينفجر بين الحين والآخر صارخا في صمت “وينك يا وطني.. وينك يا عراااق؟”.

وما بين قوسي البداية والنهاية تدور الأحداث عبر عيني البطل الذي كان منذ صباه “شديد الحماسة للفكر الماركسي حد العمى” ويردد في مرحلة تالية مع رفاقه أغنية تقول بعض كلماتها “أنا.. أنا-جندي أحمل في يميني سفر جيفارا-وفي يساري أقمار جاجارين” ويتعرض للاعتقال والتعذيب ثم ينخرط في العمل المسلح المناهض لنظام صدام.

ولكن المواجهة المسلحة لا تنجح أمام آلة حزب البعث فيضطر البطل إلى اللجوء للمنفى وبعد اغتراب زاد على عشرين عاما يعود إلى العراق ويرى حلمه القديم صار كابوسا “ترفع رايته الميليشيات القاسية… وقفت شاهدا على حفلة جلد علنية لزملاء أحبهم وسط المدينة. كبسوا شقتهم… وذنبهم أنهم يشربون سرا ويتسامرون. سيقوا نصف عراة صباح اليوم التالي… جلدوا حد الإغماء.”

وتعقد الرواية مقارنة بين سلوك قادة الميليشيات وهم “أغراب.. يرمقون الناس بحقد واستعلاء… أسروا عشرين جنديا مسكينا وأعدموهم أمام أنظار الناس” وبين بطل الرواية ورفاقه في الثمانينيات حين رفعوا “السلاح بوجه الدكتاتور في الجبال. لم نقتل جنديا أسيرا… لم نبتز أحدا. نعالج مرضى القرى” الذين كانوا يحلمون بالحرية والمساواة مثل مناهضي صدام.

وأمام المشهد العراقي الملتبس يدرك بطل الرواية “صعوبة فكرة تغيير المحيط ناهيك عن حلم تغيير العالم” وهو حلم لرفاق كثيرين منهم صديقه “سعد” الذي التحق بالفصائل الفلسطينية في وقت مبكر وراودته فكرة أن تبدأ الثورة من لبنان وتكون “بيروت محطة عبور إلى العراق” ولم يتخيل الرواي أن يصبح العراق بعد أكثر من ربع قرن ساحة للعنف “القتل فيه أمسى مثل شرب الماء… أصبحت نادرة الأيام التي لا تنفجر فيها سيارة أو عبوة أو انتحاري يفجر نفسه في زحمة سوق. الميليشيات الطائفية تخطف تقتل على الهوية.”

اترك ردا