3 - الصفحة الثقافية عام

الرواية العراقية.. آفاق تتجدد .. ملتقى الرواية الثاني في البصرة

كان الجمهور الثقافي البصري على موعد مع انعقاد ملتقى الرواية الثاني للفترة من 2 ـ 3 تشرين الأول الجاري، والذي سمي بدورة فؤاد التكرلي، وتحت شعار ( الرواية العراقية آفاق تتجدد ).. وقد تمحورت جلسات الملتقى حول خمس موضوعات رئيسة ألقى في إطارها نقاد وروائيون بحوثاً وشهادات أثارت أسئلة ونقاشات مختلفة..

جرى تخصيص الجلسة الافتتاحية التي أدارها الناقد شجاع العاني لمحور الرواية العراقية المكتوبة بأقلام روائيين من مدينة البصرة. وكانت الدراسة الأولى للناقد الدكتور حسن سرحان بعنوان ( أشكال المتاهة في البنية السردية للرواية العراقية الراهنة )، وفيها تناول تجربة الروائي لؤي حمزة عباس في روايتيه ( مدينة الصور ) و ( صداقة النمر ). واستندت فرضية بحثه على فكرة أن المتاهة تبدو ثيمة وموتيفاً وشكلاً واستعارة ملازمة لشعرية الرواية العراقية الآن. مؤكداً أن المتاهة في روايات لؤي تتعدى كونها أسطورة أو مجازاً أو شكلاً أو موضوعاً بل هي عنصر رئيس يتحكم بكامل البنية السردية للنص الروائي.. أما الباحث عبد علي حسن فقدم دراسة بعنوان ( التوالد الحكائي والنص الموازي ) متخذاً من رواية علي عباس خفيف ( ستة أيام لاختراع قرية ) مثالاً.. فبدأ من فكرة أن رواية الميتافكشن سعت إلى زعزعة البنى التقليدية التي قامت عليها الرواية الكلاسيكية، كاشفاً أن الروائي كشف منذ البدء عن مصادر كتابة روايته ليطلع المتلقي على طريقته ووجهة نظره في تجميع المتن الحكائي. وبذا تعد هذه الرواية واحدة من النصوص السردية المهمة التي أنتجت بعد العام 2003 إذ كان كاتبها يعي تماماً ماذا يكتب في أثناء الكتابة كما كانت روايته تعي ذاتها. وتركز بحث الناقد بشير حاجم على تقديم خطابه من وجهة نظر خاصة لتطور الرواية العراقية في أشكالها الحداثية.. فيما قدّم الناقد مقداد مسعود ورقته ( كتابة المكان في رواية خرائط الشتات للروائي محمد عبد حسن) وفيها يقول: ” تشتغل هذه الرواية على فترة ساخنة من تاريخ العراق، لا تكتبه وفق تسلسله المألوف بل عبر تناول حداثي لتداخل الزمان بالأمكنة العراقية وغير العراقية”.. وقد أفتتح معرض فوتوغرافي للفنان صفاء ذياب على هامش هذه الجلسة.
في الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور سلمان كاصد كان هناك محوران الأول ( موقع الرواية العراقية في السرد العربي: فؤاد التكرلي أنموذجاً ) حيث تحدث الناقد الدكتور شجاع العاني والدكتور سلمان كاصد ومحمد رشيد السعيدي عن مكانة التكرلي في السردية العربية، وما قدّمه من إسهامات على صعيدي البناء السردي والثيمات. فيرى الباحث السعيدي أن (الرجع البعيد) رواية حوارية وليست متعددة الرواة، تعتمد حواريتها على تعدد الرؤى وتهتم بذاتية شخصية كل فصل عن طريق الإكثار من المونولوغ مع وجود وصف خارجي. أما المحور الثاني فكان ( الرواية النسوية رؤى وتجارب ) وفي إطاره ألقى الباحث عبد الغفار العطوي دراسته ( الاغتراب السردي بوصفه تحايلاً على الأبوية ) وفيها تناول أعمال الروائيات أنعام كججي وهدية حسسن وحوراء النداوي. فيما قدّمت الباحثة أشواق عدنان النعيمي بحثها الموسوم (الرواية العراقية النسوية وجدلية البنية السردية: طشاري أنموذجاً )، وفيه تتحدث عن الشخصية بين النمطية والإشكالية ودلالة المكان وأزمنة السرد بين الحضور والتداخل.
في الجلسة الصباحية لليوم الثاني من الملتقى والمنعقدة برئاسة الناقد باقر جاسم محمد، كان المحور (التمثلات الجديدة في الرواية العراقية).. عنون الناقد الدكتور فاضل عبود التميمي بحثه بـ ( الواقع والتمثيل المتخيل في رواية تسارع الخطى لأحمد خلف ) وفيه يقول أن مقاربته تقف عند هذه الرواية لتدقق في متنها السردي باحثة عن دلالة تمثيل الواقع الذي يتشظى من الفعل السردي، وحضور ما وراء السرد في الرواية نفسها بوصفها إطاراً منظِّماً لدلالات سردية تعالقية جديدة ذات صلة بلغة الرواية ورؤاها. أما بحث الناقد عباس عبد جاسم فكان ( الواقع والتخييل: أخلاقيات التغيير في الرواية العراقية ) وهنا حدد تلكم التغييرات في ثلاث نزعات، الأولى قائمة على بناء رواية داخل الرواية حيث يستجوب القارئ الحدود بين التخييلي واللاتخييلي، أما النزعة الثانية فقائمة على التوازي بين صناعة التخييل وتركيب الواقع.. فيما النزعة الثالثة قائمة على تقويض بناء الحكاية من خلال الاستعاضة عن الحكاية التي تروى من تلقاء نفسها بالأنا الحاكية. وكان بحث الناقد الدكتور خالد علي ياس بعنوان ( الواقعية الافتراضية: أجنحة البركوار وصنعة الكتابة الروائية المعاصرة ) والرواية الآنفة الذكر من تأليف عباس عبد جاسم والذي مثلت تجربته بحسب الباحث الحساسية المفرطة لتحولات النص السردي المعاصر من مرحلة الحداثة إلى مرحلة ما بعد الحداثة لأجل إدراك متمرس بنمط الكتابة الروائية المنتمية لهذا الصوغ الجمالي. وكان البحث الرابع في هذه الجلسة بعنوان ( الواقع والفانتازيا في رواية فرانكشتاين في بغداد في ضوء نظرية أفعال الكلام ) للباحث الدكتور ظافر كاظم، والذي يرى أن الرواية تلك تفرض علينا أن نختار مدخلا تداولياً لفهمها والتي تغوص في عمق تابوهات عدة وأفكار راسخة يأتي الدين والإرث التاريخي في مقدمتها. وقرأ الناقد الدكتور جاسم الخالدي بحثه ( الهوية الملتبسة في فندق كويستيان ) مشيراً إلى كون هذه الرواية رواية حدث ورواية الهم اليومي والوجع العراقي وفيها استعان الروائي بتقنية الميتا سرد.
الجلسة الختامية كانت مخصصة للتقنيات السردية المجاورة في الرواية وترأسها الروائي طه حامد الشبيب.. وضمن هذا المحور كان أول المتحدثين الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد الذي قدّم بحثاً بعنوان ( تحولات الصورة عن الأدب والسينما ) وفيه يناقش العلاقة بين الحقلين وفيما إذا كانت جوهرية أو مضللة.. وكان بحث الدكتور محمد ابو خضير بعنوان ( تخليق مدن السرد بين الـتأرخة والتاريخانية الجديدة ) وفيه يقول أن النص محض نسيج ( لعبي ) تتمظهر عناصره في فضاء الكشف والبوح الشكلي ما يفتح مسافة جمالية بينه وذات المتلقي. وكان عنوان البحث الذي ألقاه الباحث عقيل عبد الحسين بعنوان ( نقرات صغيرة على طبل وجودنا الأجوف: عن رواية القنافذ في يوم ساخن لفلاح رحيم ) حيث يرى أن المتن الروائي فيها يتخذ مساراً انعكاسياً يشير إلى عدم الثبات والقلق الذي يثقل السرد ويتصل بالمنفى واليأس من العودة إلى الوطن.
وتضمنت الجلسات الأربع شهادات للروائيين ( خضير فليح الزيدي ونصيف فلك وعبد الكريم العبيدي وسعد محمد رحيم وباسم القطراني ). واختتم الملتقى بإلقاء البيان الختامي الذي أوصى بإقامة المهرجان كل سنة، والإعلان عن جائزة للقصة باسم القاص الكبير محمد خضير. ومن ثم قدّم فنانون من البصرة معزوفات موسيقية وأغاني من قبل فرقة الخشابة.
يُذكر أن هذا الملتقى أقامه اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وبدعم من وزارة الثقافة ومجلس محافظة البصرة. وحضره فضلاً عن مثقفي وأدباء البصرة روائيون ونقاد من مختلف محافظات العراق.

اترك ردا