7 - تقارير وتحقيقات عام

أسرة “ذبيح الفلوجة”.. حزن القرية وغياب “المسؤول”

يبدو الحي الذي تقطن فيه عائلة الشهيد كاظم، شاحبا، وتبدو الحياة رتيبة فيه، غير ان اصوات أطفاله تملأ المكان، بينما ينتظر اطفاله، قدوم ابيهم قبيل العيد.

رغم ضيق المكان وصغره، الا ان ترحيب عائلة الشهيد العريف كاظم، وحفاوتها بالقادمين اليهم تجعل من يأتيهم يشعر بـ”الخجل”، رغم الجرح الكبير الذي خلفّه غياب كاظم فيهم.

في قرية آل نزال التابعة لقضاء قلعة سكر شمال محافظة ذي قار، حيث تقطن عائلة الشهيد كاظم كريم الركابي، الذي بث تنظيم داعش الإرهابي “فيديو” يصوّر طريقة ذبحه، تجد حزنا واسعا يخيم على المكان، فيما يتساءل الجميع عن سر غياب المسؤولين الحكوميين عن زيارتهم وتفقد احوالهم.

والشهيد هو العريف كاظم كريم جاسم الركابي، من الفرقة التاسعة، وحدة الاستطلاع في الجيش العراقي، وقع اسيرا بأيدي افراد التنظيم الارهابي، بعد ان نفذت ذخيرته في منطقة الكرمة في الفلوجة في شهر اذار،2015، حيث بث داعش صورا له بزي الجيش واخرى بزي احمر قبل ان يظهر فيديو بثه قبل ايام يظهر فيه ذبح العريف الشهيد كاظم.

وأمام أمثلة من شجاعة ابداها مقاتلون عراقيون مثل كاظم، بات العراقيون أكثر استعداداً للتضحية في سبيل تحرير الاراضي من سيطرة افراد العصابات الارهابية.

يكشف والد الشهيد كاظم في مقابلة اجرتها “المسلة”، مع عائلة الشهيد، اللحظات الاخيرة التي جمعتهما، واخر اتصال له مع ولده وكان في الشهر الثالث من السنة الجارية، حينما اتصل به في احد الايام، وتحديدا في الساعة الحادية عشر والنصف صباحا، و اخبره بأن ثمة هجوم من قبل داعش عليهم في منطقة الكرمة في الفلوجة وان ذخيرته قد نفذت.

يصمت والد الشهيد قليلا، ثم يكمل “لم اصدق الخبر، ولا نعرف اين نتجه، ذهبنا الى مقر وحدته العسكرية، لكنهم اخبرونا بأنهم لا يعرفون اية معلومات عنه، سوى ما نشره تنظيم داعش من صور تظهر فيه الشهيد كاظم، وهو مقيد واثار ضرب على وجهه”.

وكانت رسالة بعثها الناشط المدني عماد الناصري، دعا فيها الجهات المعنية، وعلى رأسها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، برعاية عائلة “ذبيح الفلوجة”، الشهيد السعيد، العريف، كاظم كريم الركابي، الذي اظهره مقطع فيديو، وهو يُذبح على أيدي ارهابيين في الفلوجة، اشهروا سكانيهم في وجه اسير أعزل.

وبالمقابل يضيف ابن خال الشهيد،  انهم “قبضوا عليه قبل اربعين يوما، ومن ثم نشروا صوره وهو ببدلته العسكرية، بعدها نشروا صورا لذبحه، حينها تأكدنا بأنه استشهد، حتى اقمنا مجلس العزاء”.

وتابع “الطريقة التي استشهد بها العريف كاظم، تكشف عن وحشية تماثل الطريقة التي استشهد فيها الجندي مصطفى العذاري، حين طاف به الارهابيون في الفلوجة والناس يهتفون من حوله”.

وأوضح “لقد غاب الاعلام عن تغطية استشهاد العريف كاظم”.

ويوضح اخو الشهيد خلال حديث لـ”المسلة”، “بعد ان فقدنا الاتصال به، ذهبنا الى وحدته العسكرية، التي اكتشفنا انها انسحبت وان الشهيد ومعه اثنين من الجنود استشهدوا قبله، واتصلنا بآمر الوحدة واوضح بأنه ليس لديهم سلاح او عتاد حتى يستطيعوا تحرير العريف كاظم”.

ويضيف “لم يزرنا اي مسؤول محلي في قضاء القلعة، او قائممقام القضاء، ولا مجلس محافظة او حتى المحافظة او نواب ذي قار في البرلمان، ببساطة لم يأتِ لنا اي مسؤول حكومي على الاطلاق”.

ويوضح “لم نجد تعاون او تقديم مساعدة من قبل وزارة الدفاع، منذ ان وقع بيد داعش وتم قتله، ثم قطع راتبه، وبعد محاولات عديدة استرجع، الا ان الروتين يعيق وصول الراتب لأطفاله كل شهر، هنالك معاملة سيئة نتلقاها عند استلام الراتب الذي يذهب اخوه كل شهر لاستلامه”.

ان الإهمال الذي يلاقيه عوائل الشهداء، يجدد المطالبة بالالتفاف لتعويض ذوي شهداء العراق الذين ضحوا بدمائهم الزكية من اجل العراق وشعبه.

والشهيد متزوج ولديه ثلاثة بنات وولد واحد، فيما زوجته حامل بطفل خامس، انضم الى الجيش العراقي منذ اكثر من ثمانية سنوات.

تعيش عائلة الشهيد، في وضع مأساوي، فوالده لا يكاد يتوقف عن البكاء، ليلا ونهارا، بينما والدته لا تهدأ من البكاء كل يوم، ومشاهد فيديو الاعدام والصور لا تفارق أذهان أخيه و اقربائه واصدقائه، وتكاد تبكي القرية كلها لشدة الحزن الذي يرافق اهله ومحبيه.

لقد دافع الركابي عن العراقيين، وعليهم اليوم مسؤولية رعاية عائلته وتوفير وسائل الحياة الكريمة لها، لاسيما وانه تحوّل الى رمز للفداء والتضحية بعدما وثّق داعش الإرهابي طريقة قتله الشنيعة، وصوّرت بطريقة مأساوية، دمه المسفوح وهو يسيل على اسفلت شارع في حاضنة الإرهاب، الفلوجة.

يقول والده، في اخر اجازة، اخبرته، لماذا لا تترك الجيش، الامر لم يعد امنا، وقد مرت عليك ثمانية سنوات في الجيش، عليك ان تتفرغ لعائلتك، لكنه اجاب، “انا لست جبانا، هنا موت وهناك موت، ثم رحل”.

انّ أسفا كبيرا ابداه مواطنون في الناصرية وانحاء البلاد لهذا الاهمال لقضية الركابي، وكان الجميع يتوقع رد فعل تلقائي من المسؤولين تجاه العائلة المنكوبة، لكن ذلك لم يحدث الى وقت كتابة هذا التقرير.

ان الثقة كبير في هرع المسؤولين الى نجدة اسرة الشهيد، وعلى رغم التأخير في ذلك، فان المجال لايزال مفتوحا لكي يُشعِر المسؤولون، أسرة الشهيد بانهم سيكونون الاب الدائم لهم.

وطالب ذوي الشهيد، من الدولة بضرورة “توفير كافة الاحتياجات لعائلة الشهيد، وان لا تكون هنالك عراقيل في سريان راتبه لأطفاله، وان لا يهزأ بنا مدير دائرة مثل ما فعل بنا مدير مؤسسة الشهداء، ولم يصدق حديث الاستشهاد الا بعد مشاهدته الصور”.

ودعت عائلة الشهيد الى “القصاص بمقترفي الجريمة النكراء، واخذ حقه مثل الشهيد العذاري”.

وانتقد اقرباء الشهيد خلال حضورهم “المقابلة” عدم حضور وسائل الاعلام وتغطية هذه الحادثة الاليمة وتسليط الضوء على عائلته.

وانتقدوا ايضا “وزارة الدفاع، كونها تهمل عوائل الشهداء، ولا توفر لهم سوى المزيد من العراقيل”، داعين الى “ضرورة احترام الشهداء”.

اترك ردا