7 - تقارير وتحقيقات عام

هل ستحرّر تمارا الجلبي السياسة العراقية من الهيمنة الذكورية؟

حين رفعت تمارا الجلبي إصبعها المصبوغ بحبر الانتخابات البنفسجي في 2005، كانت تدرك عظيم الإنجاز الذي تحقّق في بلدها، في بزوغ فجر الديمقراطية، وكان لوالدها احمد الجلبي، الدور الرئيسي فيه.

واليوم، تعود تمارا من جديد إلى دائرة الضوء وهي “تحقّق” بمساعدة أطباء معروفين، في موت والدها، وفيما اذا هو حدث عادي، أم نتيجة “مؤامرة”.

وتمارا في حقيقة الأمر، ليست طارئة على المسرح السياسي، والثقافي، والعلاقات العامة، وهي الذكية الواعية، على شاكلة والدها، ورضعت السياسة والإدارة في وقت مبكر من حياتها، لكنها أيضا ضحية أقدار وصدف، وتحالفات، لم تتح لها، تحقيق طموحاتها تماما مثل والدها الذي عاد الى العراق منذ 2003 سياسيا، صاحب نفوذ، وكان مُتوقعا له، دورا اكبر من الدور الذي لعبه والمراكز التي شغلها، بحكم دوره الرئيسي في انضاج عملية التغيير السياسي في العراق، والتي اثمرت عن اقتلاع جذور اعتى نظام دكتاتوري.

تمارا (42 عامًا) الحاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد الأميركية، برسالة تحولت إلى كتاب متميّز عن حقبة تاريخية مغمورة من تاريخ لبنان، حيث تنحدر من أم لبنانية من أسرة عريقة هي ليلى عسيران، تعيش منذ 2003، في عزلة إعلامية وسياسية، لم تتح لها الظهور إلا بين الحين والآخر، فيما واقع الحال أنها سياسية واجتماعية فاعلة، وكان والدها يعتمد عليها في الكثير من تفاصيل أعماله ويستشيرها في الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية، لإدراكه ذكاءها ومهنيتها، ونظرتها الثاقبة في التحليل والاستنتاج.

هذه الإمكانيات والمهارات التي تتمتّع بها تمارا، وخبرتها الطويلة، في شؤون بلدها، بحكم مرافقتها لوالدها، يتيح القول إن لها مستقبلا سياسيا واعدا في العراق، البلد الذي يعاني من سيطرة السياسة الذكورية على مقدراته.

أنت تتصفّح الآن الموقع الأصلي، المسجّل رسمياً وقانونياً، وليس الموقع المزوّر لسعد الأوسي، المدعوم من أموال العراق المسروقة على أيدي خميس الخنجر وعائلة الكرابلة.

لكن، هل تعد تمارا الجلبي العدّة، لدور سياسي في المستقبل؟.

ثمة من يرى ذلك ويؤكد عليه، لاسيما وإنها أبدت خطوة شجاعة في التحقيق في وفاة والدها للتأكد من حقيقة ما حدث وهي خطوة يمكن إن توصف بالسياسية، أكثر من كونها عملية فنية اعتيادية.

يقول الكاتب صباح كاظم في حديثه لـ”المسلة”.. “رأيتها بجوار والدها، الرجل الوطني صاحب الفضل بتحرير العراق على منصة الخطابة في الناصرية في أول مدينة يزورها بعد التحرير، وكان خطاباً وطنياً”.

ويعتقد الكاتب عبد الهادي مهودر في حديث لـ”المسلة” ان تمارا ربما تدخل عالم السياسة في وقت لاحق كصوت نسائي جديد مستندة الى ثقلها العائلي.

سيرة تمارا، يشير إلى إن لها تاريخا سياسيا واجتماعيا، يحتاج إلى تسليط الضوء عليه، في ظل انحساره عن هذه الشخصية النسائية العراقية الواعدة.

ففي خلال الأشهر التي سبقت الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003، وصفت تمارا عبور المعارضة العراقية الى داخل العراق بـ”التاريخي”.

وقالت تمارا التي رافقت والدها لحظة دخول العراق، “كان لي شرف مرافقة هذه المجموعة، وفي المسعى لتشكيل تحالفات على الطريق لتحقيق حلم تحرير العراق. في يوم لندني شتائي ممطر، عبر وفد مؤتمرنا الوطني العراقي من خلال سلطات مطار هيثرو في طريقهم إلى طهران، مجموعة مصممة ومتحدية”.

وأوردت تفاصيل الدخول إلى العراق الذي وصفته بمثابة “الفتح”..”من بين من يضمهم الوفد الذي وصل الى طهران، احمد الجلبي ومضر شوكت، وكنعان مكية، وجوران طالباني، وجواد الحائري، سنة وشيعة، يمثلون سكان العراق المتنوعين. والعديد من هذه المجموعة كانوا قد قضوا عقودا يحاربون في سبيل جذب اهتمام العالم بهدف تخليص العراق من حكم شمولي وإقامة دولة ديمقراطية”.

وتعّبر تمارا عن إيمانها بمستقبل بلدها، بالقول “ولادة عراق ديمقراطي لا يمكن ان يعتمد فقط على قوات أمريكية تغزو وتحتل العراق، وفي حين أن القوات الأمريكية سوف تعتبر أساسا كقوات محررة، ولكن إطالة بقائها سوف يفجر معارضة درامية من العراقيين”.

وأردفت في قراءة مستقبلية أثبتت صحتها فيما بعد “إطالة الحكم العسكري الأمريكي في العراق سوف يطلق عقال التطرف الإسلامي”.

وعلى لسانها، تتسرّب كلمات قصة العودة إلى العراق عبر اذربيجان المغطاة بالثلوج باتجاه الحدود العراقية الإيرانية، حيث فقد آلاف الشباب حياتهم في حروب عبثية.

تقول تمارا.. أخذت بنا السيارات مرورا بالجبال والبحيرات وكان في معيتنا قافلة رسمية إيرانية لضمان عبورنا الحدود. كانت رحلة مؤثرة. كان هذا نفس الطريق الذي قطعه جنود الإسكندر الكبير وقوافل أخرى قبل 2500 سنة. رأينا الكثير من المسافرين، خيولهم تخوض في الثلوج، يحيون بالتهريب مضيفين حياة على مشهد الطبيعة الرهيب .. كان لدخولنا العراق تأثير ورمزية. وسط عاصفة من الثلوج، ودّعنا الإيرانيون عند حاج عمران في حين وقف أصدقاؤنا العراقيون للترحيب بنا، كانت الإثارة لا يمكن السيطرة عليها”.

وكتبت تمارا أيضا سلسلة مقالات في صحف أمريكية كبرى قبل انتخابات 2005، عززتها برفع إصبعها البنفسجي عام 2005. كعلامة نصر للديمقراطية في العراق.

وقبل هذا التاريخ، خاضت تمارا غمار الدفاع عن والدها برفعها دعوى قضائية في واشنطن ضد الحكومة الأردنية أمام المحاكم الأمريكية تتهمها بالتنسيق مع النظام صدام في التآمر ضد والدها وتشويه سمعته في قضية بنك البتراء في الأردن,

وقالت تمارا “اننا نعتزم إظهار أن صدام وحكومة الأردن كانا يخشيان نجاحنا لدرجة أنهما انقضا على البنك وحطماه ثم ألقيا زورا باللوم على أبي بزعم أنه سرق ملايين الدولارات منه.”

يقول المحامي والأستاذ في القانون، شبلي ملاّط في جريدة “ديلي ستار”، في شهادة ترجمتها الهادر المعموري، إن لتمارا الجلبي معزّة خاصة لديّ. لقد رافقتها في مشوار صعودها الأكاديمي من سنوات المدرسة الثانوية إلى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، فجامعة براون، حتى نيلها شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد برسالة تحولت إلى كتاب متميّز عن حقبة تاريخية مغمورة من تاريخ لبنان.

تخطّت تمارا أحسن التوقعات، وكانت شجاعة في خلال المأساة الإغريقية التي عاشها العراقيون، وكشخصية قريبةٍ من أنتيغون ابنة أوديبس الشهيرة في التراث الإغريقي، اختارت تمارا مسارها الفرويدي التعويضي من خلال دراستها العلمية.

وأصدرت تمارا كتاباً وافياً عن تاريخ آل الجلبي خلال القرن المنصرم حمل عنوان “حفلة متأخرةً عن موعد الشاي في قصر الغزالLate for tea at the Deer Palace”، تقول عنه إنها قضت ثلاث سنوات لإكماله وهو يتناول تاريخ العراق الحديث عبر سرد قصة الأجيال الأربعة الأخيرة من عائلة الجلبي.

يروي الكتاب على غرار رواية “البجع البري” الشهيرة لسيرة ثلاثة أجيال من النساء في الصين المعاصرة، مسارات شخصية في التاريخ العراقي المضطرب، وسنوات المنفى الطويلة.

ولكونها مؤرخة محترفة، فهي قادرة على إبراز كل حقبة بفواصلها الزمنية عبر مئة و نيف سنة.

وبحسب تقرير، اطلعت عليه “المسلة”، فان الكتاب يغطّي حقبة نهاية الهيمنة العثمانية حينما لمع نجم الجدّ الأكبر عبد الحسين (1879-1939) كرجل سياسة و تجارة يتمتع بالفطنة، كما يسرد الكتاب قصة صعود ابنه هادي (1898-1988)، وهو الشخصية الوطنية التي كان لها الحضور القوي في عالم السياسة الذي سيطر عليه البريطانيون، ليتحول التركيز بعد ذلك إلى حياته في المنفى الموجع الطويل بعد عام 1958، حين سيق أبناؤه إلى السجن. ثم يختتم الكتاب بالصراع المرير مع صدام حسين.

وإذا كانت وفاة أحمد الجلبي قد أحدثت أصداءً واسعة بين العراقيين الذين اعتبروا إن رحيل الجلبي سيحدث فراغا كبيرا على الساحة السياسية العراقية، فان العراقيين سيكونون مسرورين بالتأكيد، اذا ما سعت تمارا إلى شغل هذا الفراغ في بلد أحوج ما يكون الى دور المرأة في عالم السياسة الذي يهمين عليه الذكور.

اترك ردا