3 - الصفحة الثقافية عام

موسيقى السبت: سيمفونية شارل غونو

يصف بعض مؤرخي الموسيقى الموسيقار الفرنسي شارل غونو 1818 – 1893 بأنه من أصحاب العمل الواحد، يقصدون بذلك أنه كتب في حياته عملاً واحداً حاز على نجاح كبير وفر لمؤلفه الشهرة اللازمة، لكنه لم يكتب أعمالاً أخرى تصل إلى مستوى هذا العمل. والعمل المقصود هو اوبراه فاوست التي كتبها سنة 1859 التي لا تزال بين أكثر الأوبرات تقديماً على خشبات دور الاوبرا حتى هذا اليوم.

ويعدها الفرنسيون من أهم الأوبرات في تاريخ الموسيقى الفرنسية. فكانت أعماله الباقية أقل أهمية وإن اشتهرت اوبراه الثانية روميو وجوليت، ومقطوعته “سلاماً يا مريم” التي أعاد فيها توزيع برليود (مقدمة) في دو الكبير – الكتاب الأول من الكلافير المعدل ليوهان سيباستيان باخ.
لكن اسمحوا لي أن أقول أنه ألف عملاً رائعاً آخر، هو السيمفونية الصغيرة (عمل رقم 216)، التي كتبها لتسع أدوات هوائية (وتسمى هذه المجموعة نونيت، أي “تُساعي”). وأدواتها هي فلوت واحد وأداتان من كل من الكلارينيت والأوبو والباسون والهورن، أي أنها مكتوبة لخماسي هوائي تقليدي وخماسي آخر حذف منه الفلوت. ألف غونو هذا العمل لصديقه بول تافانل، عازف الفلوت الماهر وأحد أشهر الاساتذة في كونسرفاتوار باريس الذي قدمه سنة 1885 بنجاح ساحق. لذلك يصح القول أن الفلوت قد وضع في مصاف الأداة المنفردة والرئيسية في العمل لهذا السبب، وبشكل مقصود.
تتجلى في السيمفونية الصغيرة قدرات غونو الفائقة على ابتداع الألحان الجميلة والتعامل الماهر مع انسياب هذه الألحان وحسن اختيار الايقاع والشكل، فهو عمل أنيق ورقيق جداً. كتب هذا العمل بتأثير واضح من أعمال موتسارت للأدوات الهوائية، على الخصوص المكتوبة في شكل سَرَناد، لهذا استعمل غونو الشكل الكلاسيكي في التأليف الموسيقي: الحركة الأولى في شكل السوناتا، والثالثة في شكل سكرتسو كما هو معتاد في شكل السيمفونية الكلاسيكي.

اترك ردا