6 - المراة عام

متى يتم ايقاف قانون (الفصلية) الظالم

لم يدر بخلد كميلة التي أنهت دراستها المتوسطة بامتياز وتفوق أن تكون ضحية طيش وتهور شقيقها الذي قام بقتل كلب جيرانهم، وكان ثمن ذلك التهور حياتها بعد أن فرضت عشيرة الجار على عشيرتها مبلغا ماليا مع امرأة لتصبح عروسا لابن صاحب الكلب (جاسب) الذي لا يقرأ ولا يكتب، وعلى الرغم من مرور عقود على ذلك الزواج الظالم ولديها الآن ثمانية ابناء.

تقول كميلة ام محمد إنها لا تنسى أبدا ذلك اليوم الذي زفت الى زوجها من غير إرادتها، وكذلك من دون فرح أو نيشان للعروس وإنما زفت كأية سبية وكما يقول المثل الشعبي (بطرك العباية)، وتصف حياتها قبل الإنجاب بأنها كانت شبه رهينة ليست لها حقوق، وما عليها الا الطاعة وتنفيذ أوامر عائلة زوجها الكبيرة، وهي التي كانت مدللة ووحيدة أبيها، لكن أحكام ذلك العرف العشائري السائد في ذلك الزمن حكمت بالموت على كميلة والكثير من بنات جنسها، مبينة ان العديد من الفتيات اللواتي لاقين مصيرها نفسه أقدمن على الانتحار بعد أن تزوجن كفصليات.
القصيدة المنتفضة

الشاعر جودت التميمي هو صاحب القصيدة التي انتفضت في العام 1973ضد هذا التقليد العشائري الظالم، وأصبحت القصيدة حديث الشارع بعد أن غناها في ذلك الزمن المطرب الشعبي الراحل عبادي العماري وأتذكر منها (جابوها دفع للدار.. لا ديرم ولا حنه ولا صفگه.. ولا دف النعر بالسلف لا هلهوله لا ملگه.. نشدت الناس عن قصه هالبنيه.. اشعجب جاروا عليها بغير حنيه.. ورديت بگلب حزنان من گالولي فصليه.. العنت ظلم التقاليد بألف حرگه.. عمنها الأخضر الهرفي بسعر اليابس تحرگه) ومع ظهور الأغنية تعالت صيحات الشجب والاستنكار لتلك الظاهرة، وبالفعل انتصر الحق على الباطل ولم يعد لهذه الظاهرة وجود، بل ان بعض العشائر حرمتها تماما، لكننا اليوم ونحن نعيش بعصر منح المرأة كل شيء، وفيه أصبحت المرأة رئيسة دولة أو رائدة فضاء، وفي العراق منحت المرأة أرقى المناصب وبرهنت جدارتها في ذلك، نجد بعض العشائر تحاول أن تعيد تلك المهزلة الى الوجود، وتدفع المرأة حياتها ثمنا لأي نزاع عشائري يرتكبه الشباب الطائش والمتهور، وحادثة النزاع العشائري في البصرة والتي انتهت (كما يقال) بتقديم (50) فتاة من عشيرة القاتل كدية (فصلية) لعشيرة المقتول (هناك مصادر تشكك في الرقم)، اثارت الشارع العراقي بمختلف شرائحه وطوائفه، ووصل الأمر الى إدانته من قبل منظمات دولية باعتباره انتهاكا لحقوق الانسان.
استنكار أخلاقي وشرعي


وما ان نشر الخبر اعلاميا حتى سارعت المرجعية الدينية العليا الى شجب هذا العمل، حيث قال ممثل المرجعية في كربلاء السيد أحمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني إن “لجوء بعض العشائر الى أخذ النساء من عشيرة اخرى لفض النزاعات العشائرية وهو ما يعرف بـ(الفصلية) أمر مستنكر اخلاقاً وشرعاً”، لافتاً إلى أنه “لا يجوز بأي حال من الاحوال أن تجبر الفتاة على الزواج ممن لا تريد”. وأكد الصافي، أنه “لا ولاية للأب أن يزوج ابنته خلافا لمصلحتها”، داعياً إلى “اجتناب ذلك والابتعاد عن هذه الممارسات وتقوى الله”. ودعا ممثل المرجعية وجهاء وشيوخ العشائر الى “الاسراع بتطويق اية ازمة او مشكلة وعدم السماح بأن تأخذ الامور مساحة اكبر من مساحتها الواقعية”، حاثاً اياهم على “ضرورة التواصل مع علماء ومراجع الدين في ذلك”.
وفي السياق نفسه أعرب رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد عمار الحكيم عن أسفه لعودة ظاهرة الفصلية في فض النزاعات العشائرية، عادا إياها ظاهرة سلبية تسيء للقيم الإسلامية والعشائرية للمجتمع العراقي وتشوه نظرة العالم للمجتمع. 
من جانبها قالت المفوضية العليا لحقوق الانسان في بيان صحفي: “إننا ندين وبشدة الانتهاكات المرتكبة من بعض العشائر العراقية لحقوق المرأة، والتي تتنافى مع الشريعة الاسلامية ومبادئ حقوق الانسان وتشكل خرقا للدستور والقوانين والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق”، مشيرة الى وجود 11 نزاعا قائما بين عشيرة واخرى ما يؤشر امكانية اتباع نفس الاسلوب الذي اتبع خلال نزاع عشائري نشب بين عشيرتين في البصرة وانتهى بتقديم عدد من النساء طبقا لمبدأ الفصلية في العرف العشائري”.وطالبت المفوضية الجهات المعنية باتخاذ الاجراءات القانونية والقضائية ضد هذه الممارسات كونها جريمة يعاقب عليها القانون، داعية الحكومة الى وضع حد لمثل هذه الممارسات اللا إنسانية ضد النساء العراقيات والعمل على تقوية جهاز الشرطة وتدريبه وتوعيته ليقوم بدور فاعل لحل النزاعات العشائرية.
ماذا تركنا للدواعش؟


أثار هذا الخبر ردود أفعال قوية في الأوساط السياسية والاجتماعية حيث أعلن النائب عن محافظة البصرة عبد السلام المالكي، عن السعي لتوقيع ميثاق شرف عشائري يلزم العشائر بتحريم زج النساء في الفصول العشائرية، مؤكدا حرمة المرأة العراقية وقدسيتها الدينية والاجتماعية، وأكد في بيان صحفي استعداده لتبني رفع دعاوى قضائية باسم اية امرأة عراقية تتعرض لمثل هكذا انتهاك لحرمتها واستغلالها في الفصول العشائرية، وقال: “ان المرجعية الدينية، اعلنت صراحة رفضها وتحريمها التعامل مع النساء على أساس كونهن جواري او (فصلية) لنزاعات عشائرية، وهذا يجعلنا امام واجبين اخلاقي وديني في تحريم مثل هكذا تصرفات من المفترض ان العشائر قد غادرتها منذ فترة طويلة”، وأضاف “ان النساء العراقيات تحملن مصائب الحياة ووقفن مع الرجل في الدفاع عن العراق”، مبينا “ان التعامل معهن على اساس الفصلية العشائرية هو امر معيب”، متسائلا: “من يقبل ان تباع او تدفع كفصلية اخته او بنته وماذا تركنا للدواعش في ما يفعلونه من سبي النساء والتعامل معهن كسلعة تباع وتشترى؟”.
العودة للعصر الجاهلي


أعربت عقيلة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم السيدة روناك عبد الواحد مصطفى عن استغرابها لقيام اطراف عشائرية عراقية بتقديم النساء كفصل عشائري “دية” لفض نزاعات في البصرة، فيما حذرت من أن الفصل العشائري يمثل خطراً جسيماً على حياة المرأة العراقية والعربية، وقالت مصطفى في بيان نشره موقع رئاسة الجمهورية إنها تشجب “قيام اطراف عشائرية عراقية بتقديم النساء كفصل عشائري (دية) لفض نزاعات في البصرة”، مطالبة السلطات المعنية ولجنتي حقوق الانسان والمرأة في مجلس النواب بـ”الإسراع بالتحقيق في الموضوع واتخاذ التدابير اللازمة لحظر حصول مثل هذا الإجراء المنافي للشرائع السماوية ولائحة حقوق الانسان العالمية والدستور العراقي”. فيما قالت النائبة عالية نصيف في بيان لها إن “الشريعة الإسلامية كرمت المرأة، والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان أعطتها حقوقها الكاملة، ولكن من المؤسف أن بعض من يأخذون بقشور الدين في مجتمعاتنا العشائرية ينظرون الى المرأة نظرة دونية”، موضحة أن “اقتياد خمسين امرأة كالجواري في فصل عشائري مؤشر خطير على ضعف القانون وضعف الدولة العراقية”. وأضافت نصيف “نحن نعتز ونفتخر بالقيم العشائرية الأصيلة التي تربينا عليها، وأغلب شيوخ العشائر اليوم مثقفون وضباط ولديهم مكانة علمية، وهذه المكانة يجب أن يكون لها دور في القضاء على الفتنة وحقن دماء المسلمين وتعزيز وحدة الصف في ظل الظرف الراهن”، مشددة على أن “استخدام الفصول العشائرية في إهانة المرأة والاستخفاف بحقوقها وبآدميتها كإنسانة هو أمر مرفوض”، ودعت نصيف لجنة المرأة النيابية والسلطتين التشريعية والتنفيذية والمدعي العام الى أن “يكون لهم دور في مثل هكذا فصول عشائرية”، مؤكدة أن “المرأة العراقية بات لها دور في كل مجالات المجتمع، فهي طبيبة ومحامية ووزيرة ونائبة، ومن المعيب أن نعود الى ثقافة العصر الجاهلي في زمن باتت فيه العديد من دول العالم تعطي المرأة المرتبة الأولى في المجتمع من حيث الأهمية أو المرتبة الثانية بعد الطفل”.
جريمة المتاجرة بالبشر


الخبر أثاره المتحدث باسم مجلس أعيان البصرة الشيخ محمد الزيداوي الذي قال فيه ان “(11) امرأة قدمت كفصل عشائري وتعويض لقبيلة المقتول، و(40) امرأة اخرى، كتعويض “فصل” بين عشيرتين في منطقة اخرى من المحافظة حدث بينهما صدام مسلح”، وعد الزيداوي ذلك الفعل منافيا للأخلاق والشرائع السماوية، وعلى الحكومتين المركزية والمحلية والقيادات الامنية تحمل المسؤولية ووقف تلك الانتهاكات الصارخة بحق الانسانية. 
ومن جانب آخر اعتبر المحامي هادي محسن الجساس ان هذا الفعل جريمة كبرى بحق المرأة، وينطبق عليها قانون المتاجرة بالبشر، وهي جريمة تصل عقوبة مرتكبها الى السجن
 المؤبد.وبيّن الجساس في حديثه لـ “الصباح”، ان “العودة الى العصور المظلمة وسبي النساء بهذا الشكل وزواجهن بالاكراه يعد امرا مخالفا للشرع وللقانون”، وطالب الجساس المرأة التي تتعرض لمثل هذا الفعل الى رفع دعوى قضائية وستكسبها حتما، موضحا انه في حالة عدم قدرتها على ذلك من حق والدتها أن تقوم بهذا الفعل أو أي فرد من عائلتها او حتى عن طريق المخبر السري، وسيكون الحكم بجانبها.
وأكد المحامي الجساس انه مستعد لتبني اية شكوى من هذا النوع ومجانا لأية فتاة تتعرض لمثل هذا الفعل الذي يشوه صورة المجتمع العراقي بحسب قوله.
وقف أعراس الدم


الشيخ فالح حسن الخليفاوي أحد شيوخ عشيرة البوعبود أكد لـ “الصباح”، أن “هذا الفعل الإجرامي قد حرمته عشيرتنا منذ زمن بعيد، لكونه يسيء لسمعة العشيرة ويحط من قدرها أمام القبائل الاخرى”، واضاف ان “الفصلية وكذلك ظاهرة (النهوة) على بنت العم وكل ما يسيء للمرأة قد حرمناه في جميع عشائرنا سواء في الجنوب او الوسط، ومن يقوم بذلك سنعلن البراءة منه امام جميع العشائر ويعد خارجا عن القانون والعشيرة”، مبينا ان ما حصل في البصرة لا يرقى الى اخلاق عشائر تلك المحافظة العزيزة علينا جميعا، خاصة ان شيوخ البصرة معروفون بعدالتهم وثقافتهم العالية ووعيهم الكبير في إصلاح الأمور وحل المشاكل”.
وبيّن الخليفاوي “ان الأمر اذا ما حصل فعلا فالجناة الذين فعلوا مثل هذه الجريمة لا يختلفون ابدا عن الدواعش في سبي النساء الايزيديات والمسيحيات في محافظة الموصل ومن ثم بيعهن بسوق النخاسة”، واشار الخليفاوي الى انه “على الدولة ان تقوم بدورها في حماية المرأة العراقية التي عاشت عقودا من القهر في زمن الديكتاتورية ويجب انصافها في زمن الديمقراطية، وعلى البرلمانيات ان يقمن بدور فعال لحماية فتياتنا من مثل هذه السلوكيات الطائشة، ووقف اعراس الدم التي تقوم بها بعض العشائر التي تخالف الدين والقانون بمثل هذه الاعمال غير المعقولة وتتنافى مع أعرافنا وتقاليدنا التي بنيت على العدالة واحترام آدمية المرأة كأم وزوجة واخت وابنة”.
التعويض بالمال


“انها جريمة بجميع المقاييس”، هكذا بدأ الشيخ علي زغير الفرطوسي احد شيوخ عشيرة الفرطوس حديثه لـ “الصباح”، مؤكدا أنه عاش هذه الحالة مرتين، المرة الاولى حين حصل حادث سير لأحد افراد العشيرة، وطالبت العشيرة الاخرى بامرأة كفصلية وبالفعل تم تزويجها وهي الآن لديها ذرية كبيرة كما يقول، ولكن الأمر حصل منذ زمن بعيد، وفي المرة الثانية حصل الامر بسبب نزاع عشائري وايضا طالبوا بفتاة مع المبلغ المالي، لكننا رفضنا لكونه تقليدا قديما لا يسمح بإعادته وتعميمه وقمنا بتعويضها بالمال.
وناشد الفرطوسي جميع عشائر الجنوب وخاصة العشائر التي قامت بهذا الفعل، بالابتعاد نهائيا عن هذا السلوك الذي يخالف الدين والقانون، مبينا ان “صوت المرجعية الذي لا يعلو عليه صوت واضح في رفض هذا التصرف الذي يسلب حياة فتياتنا، وتزويجهن بالإكراه وهن قاصرات، واحيانا تكون الفصلية صغيرة العمر وتزف الى رجل يكبرها بأربعين سنة، وهذا ما سيولد عندها الحرمان وقد تفضل الموت على تلك الحياة وبالتالي تلجأ الى الانتحار، وهناك حالات مشابهة حصلت”.
وطالب الفرطوسي الحكومة بضرورة التصدي لتلك الافعال وفرض سلطة وسيادة القانون على جميع العشائر.

اترك ردا