3 - الصفحة الثقافية عام

الشعرُ مُحلقاً بأجنحةِ عشق غير مشروط

في ربوع ثلاث مجموعات مترعات بفيوضات شعر سلس وعذب،توافد مُعتمراً أكاليل وتيجان ذلك الوجد الحاني للحياة الحقة والحبّ الحقيقي والخالص للوطن،حفلت تتهجّى حروف التياعاته وإيقاف نزف جراحاته الشاعرة(د. سِجال الركابي) في متون عناوين تلك المجموعات الشعريّة الرائقة والعذبة في أقسى وأدهى حالات استغراقاتها الوجدانية،واستجابات ضخ تصّدعات مشاعرها بإزاء ما آل اليه حال الوطن كما جاء يتراتلُ هذا المقطع في أحد نصوص مجموعتها الأولى التي زهت عنوان(ترنيمات امرأة عراقية)الصادرة عن منشورات ضفاف في العام/2013،مستظلةً بإهداء ألتمع دفئا يبوح؛(إلى العشق غير المشروط والأبدي… وطني … ورفيق روحي)،مشفوعة بـ(28) نصا شعريا قصيرا.يقول ذلك المقطع:(الكل دهشون …فرحون/السماء تمطر ألواناً/حمراء… صفراء… خضراء/بنفسجية/ لا أُحب الألعاب الناريّة/مذ قُصف بيتي/وقُتل جاري الذي/لم تجف الحنّاء على يديه/بصاروخ غجري).فيما فاضت مجموعتها الثانية الصادرة عن الدار العربية للعلوم/ناشرون في العام/2013-أيضا- بعنوان عراقيّ بهيّ هو(صوب بُستان النخيل)مذيلة ومذهبة بهذا الإهداء( بعد الرحيل …عيناي شاخصتان …صوب بستان النخيل)،وفي مرتسمات مقدمة،هي بمثابة نص شعري مكثّف،ينوء بوهج ذكرى ودبق حنين:( لك أشدو كما الحمائم /دوما تنوح/ولهُ أُغني نشوى/بذكرى عبر سنين عُمري/تفوح/ يا كبريائي و يا عاطفتي)،وبحاصل جمع(57)نصا مماثلا -تقريبا- لنصوص مجموعتها الأولى،كذلك المجموعة الثالثة التي حملت عنوان(لم يأتِ القمر) وبإهداء(إلى الحالمين بالحبّ والحريّة)تلك الصادرة-أيضا- عن الدار العربية للعلوم/ناشرون،ولكن في العام/2014 حيث حوت على(96)نصا،لم تخلتف عن بقية نصوصها من حيث نسق وإمكانية التعبير عما يعتمل ويمور بدواخل و أحاسيس هذه الشاعرة التي كانت قد حصلت على شهادة الدكتوراه في مجال علوم الحياة(البايولوجي)من جامعة(ريدنج)-المملكة المتحدة/1980،مارست التدريس والبحث العلمي في الجامعات العراقية،وعملت معاون مستشار ثقافي في أستراليا/2007-2010،لها كتاب علمي-منهجي وما يزيد عن(30)ورقة علمية وبراءة إختراع،فضلا عن إشرافها على ما يزيد عن(25)أطروحة دكتوراه ورسالة ماجستير،فيما أصدرت في مجال الشعر-أيضا- وبالإضافة الى ماورد،مجموعتيّن مشتركة مع عدد من الشعراء العراقيين والعرب،الأولى بعنوان(حديث الياسمين)والثانية (صدى الفصول)،وستصدر لها عما قريب مجموعتها الرابعة تحت ثريا عنوان( الورد يبكي والبارود يبتسم).
اذا كان الشعر-من وجهة نظر أحد كبار الشعراء المعاصرين- هو (فن تنظيم أحزان العالم) فإن هذا التوصيف،قد يضيف بعدا تكامليا لما حاولت السعي إليه نصوص(د.سجال الركابي) من حيث تبني فكرة محاولات التخفيف من شدة ووطأة مرارة وتفاقمات أحزان الواقع،ومن حيث رهانها الدائم على انتقاء مفرداتها بعناية وتحسس مدروس،لكي تكون بمستوى تلك الفكرة،التي من خلالها تحاول الدفاع عما أصاب الحياة في العراق من تعقيدات وتورّمات في نسيج وبنية الحياة فيه(ركض قلبي للقياك يسبقني/ لكن … واحسرتاه/ما عُدت الملاك الذي سحرني/فقد فاحت منك رائحة البارود).
إذ نستجلب مقاطع أو مقتطفات من نصوصها دون الإشارة والتلميح-في بعض الحالات- لاسم المجموعة،أو اسم النص الشعري الذي اخترنا أو اقتنصنا منه،ما يعيننا على كشف وتقيم فضاءات تلك الروح المحلقة ببهاء ونقاء وعي وصدق انتماء للوطن-الرحم والمبتغى،ومن ينابيع وسواقي ذلك الحبّ الذي تستقي منه(سِجال) ذرات وشذرات هواجسها،إنمّا لكي نشير الى وحدة الموضوع الكوني الذي يشغلها،وتهيم فيه حبّا ووعيا وتواصلا حيّا من ذاتها،فمن يطلّع على نصوص تلك المجاميع وبأعداد نصوصها عبر الأرقام التي أشرنا إليها-سابقا-،سيتأكد من صراحة زعمنا ومؤكدات توضيحاتنا،بأن هذه المحاولات،وهذه التوافدات الشعرية،إنما هي استجابات حسية وتلويحات لخواطر عميقة تسكن دواخل إنسانة عذبة ،نقية ورائقة،في مجمل وعموم هواجسها الذاتية والموضوعية،سواء أكان ذلك فيما يتعلّق بالوطن أم ما يتعلق بالحبيب.
في قصيدة (حجر) من مجموعتها (لم يأت القمر) تقول؛ (تعلمتُ الصدق/قبل أن أتهجى اسمي/صادقةٌ وإن خسرت/صادقةٌ وإن تعبت/صادقةٌ دوما/لكنني يا حلم أيامي/ذلك اليوم كذبت/آه…لو تدري/ندمت …كم ندمت/حين جلست/بكبرياء…تمثالٌ من رُخام/وأنت يا نور عيني/جلست تنفث بوحك/مع دخانٍ لفافتك/ملكةٌ للكذب/ذاك اليوم تُوّجتُ/وسألتني …/هل قُدّ فؤادكِ من حجر! فكذبتُ … وقلتُ… أجل/لم تسمع التمثال يهمسُ:/حجر.. باطنه فيضٌ/ لا يُبقي و لا يذر ….)،يتجلى الحوار-هنا- ثنائيا ما بينها والآخر،ثم ليتحدّ بوثوق ما بين الخاص والعام،بسياقاته الموضوعية وتلميحاته القصدية المعلنة والمستترة،رغم حجم الرقة والبراءة التي تغّلف روح النص،وجدليّة التحّاور الداخلي(ديالوج) ما بين الذات،وما بين الأخر-الوطن،ففي نص الذي يحمل عنوان(إدمان) من مجموعتها(صوب بستان النخيل) نقرأ ما تقول (سجال) : ( أدمنتك حتى النخاع/لم يعد منك فكاك/أدمنتك/مذ كنتُ/أرتشفُ رحيق الحياة/في رحم أمي /والروح (تعشق قبل العين أحيانا)/أدمنت الشقائق/في ربيع جبالك/أدمنت ذهب قبابك/أدمنتُ شطّك/يعبر بنا إلى التنّومة/أدمنت كُتبك ومُتنبيك/أدمنتُ رمال صحرائك/كيف يُعشقُ بعضك/وليس كلك/أنت من أهوى/بعربك وكُردك/وكُلّ من فاء بظلك/أدمنتك يا عراق)،هنا… البصرة حاضرة وبهيّة في نسق ونسيج هذا النص المجدول من خيوط تشابك وتداخل كل تلك الخواص التي تستشُعرها وتصوغ منها وعلى منوالها هذا التوادد والتنامي في أصل روح النص،رغم قصره،فهو ينبض بجوهر فكرة وبلاغة موضوع عام،ونعني به-قصدا- وحدة الوطن.

اترك ردا