3 - الصفحة الثقافية عام

ماريو فارغاس يوسا في كتابه الجديد.. احتضار الثقافة

صدر موخرا باللغة الانكليزية كتاب جديد للروائي ماريو فارغاس يوسا بعنوان (ملاحظات حول احتضار الثقافة) . والكتاب بلغته الاسبانية الاصلية كان تحت عنوان (حضارة الفرجة والاستعراض)الا ان الناشر الانكليزي اراد ان يختار عنوانا اكثـر استفزازا للكتاب كون المؤلف يتحدث عن ان الثقافة بشكلها الذي عرفناه باتت في شبه المنقرضة ،والكتاب يتمحور حول ستة مقالات طويلة يتناول فيها مفهوم الثقافة عبر الحقب الزمنية المختلفة،ولا يخفي الكاتب احساسه بالخيبة فيكتب قائلا (بسبب اننا نميل الى المتعة والترفيه ،فقد جعلنا من الثقافة قصرا رائعا لكنه هش، قصر مبني من الرمال سرعان ما ينهار عند هبوب اول نسمة هواء.)

هذه ترجمة لمقالة بقلم الكاتبة الايرلندية انا هافيرتي تناولت فيها كتاب الروائي ماريو فارغاس يوسا،وانا هافيرتي روائية من ايرلندا مولودة في العام 1959ولها عدة روايات ،كتاب (احتضار الثقافة) لماريو فارغاس يوسا ينتقد الوضع الذي تعيشه الثقافة في عالمنا المعاصر حيث طغى النمط الاستهلاكي في الحياة على كل جوانب الحياة ومنها الثقافة :
ربما لا يمكن القول اننا نعيش في أسوأ الأوقات، ، ولكن أي شخص يمتلك عقلا في رأسه يحق له أن يقول إننا نعيش في اكثرهاغباءً وحماقة. وهذا بالتأكيد ما يعتقده ماريو فارغاس يوسا، الروائي الحائز على جائزة نوبل،. وفي مجموعة من المقالات المتميزة والرائعة عن حالة الثقافة ضمها كتابه الاخير يجادل بالقول إننا جميعا اعلنا استسلامنا للحماقات التي تحصل . وهذا ما قادنا إلى الكآبة واليأس.
انه كتاب للرثاء. ما يكتبه بارغاس يوسا هو رثاء لكيف كانت تسير الامور وكيف اصبحت الآن في جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية. وهو بذلك يحذو حذو ت.س. إليوت في مقاله الذي كتبه عام 1948 بعنوان (ملاحظات نحو تعريف الثقافة)، وقال فيه آنذاك انه يعتقد ان مفهوم الثقافة بالمعنى العام، هو الاحساس المشترك، وهو اسلوب الحياة.
لقد رأى إليوت أيضا الثقافة تتحلل من حوله، وتوقع ان سيجيء الوقت الذي لن تكون فيه هناك أية ثقافة. هذا الامر، يقوله لنا فارغاس يوسا، هذه المرة . وكان إليوت قد تعرض لهجوم من منتقدين وصفوا ارائه بانها مواقف نخبوية – اضافة الى أشياء أخرى كثيرة – ومن المحتمل ايضا ان يحدث الامر ذاته مع فارغاس يوسا ومن الممكن ان يواجه بنفس التهم.
ولكننا يجب أن نكون ممتنين له لوصفه بطريقة منظمة نسبيا فوضى النفاق والفراغ الذي انحدرت إليه ثقافتنا المعولمة والتي يبدو أن ليس امامنا سوى خيارات قليلة لعدم الانغماس فيها.
ومع ذلك فليس من السهل، ، ان تكون منظما في معالجتك لموضوع يتميز بمثل هذا الشمول، والحساسية ، واعني به اسلوب الحياة الذي نعيشه الآن. وفيما يتعلق ببعض الجوانب، مثل تجارة الأعمال الفنية، فان فارغاس يوسا يفتح فمه مدهوشا. فعالم الفن “فاسد حتى النخاع”، وهو العالم الذي يبتدع فيه الفنانين “حيلا بهلوانية رخيصة”.
لقد تخلينا عن ثقافة الفئة المميزة قليلة العدد التي كانت سائدة في الماضي ، والتي كانت تستقصي الحقائق، بشكل عميق، وهادئ ودقيق،تخلينا عنه لصالح التيار السائد أو الترفيه الشامل،او التفاهة – ومن هو ذاك الشجاع الذي يتهور في هذه الأيام ليعترض على ذلك -. هذا النوع من الثقافة خالي من القيمة بل هو بلا قيمة أساسا.
يتبنى فارغاس يوسا اسما لهذا العصر صاغه لنا المنظر الماركسي الفرنسي غي ديبورد. نحن نعيش في مجتمع الفرجة.. وبسبب استغلالنا من قبل القوى العمياء التي تتبنى النمط الاستهلاكي الرائج، فإننا اصبحنا مجرد متفرجين على حياتنا بدلا من ان نكون عناصر فاعلة فيها.
فمشاعرنا، بل وإنسانيتنا ذاتها، يتم تدميرها من قبل أولئك الذين يرون انفسهم تقليديا حراسا لها.
المثقفون ووسائل الإعلام والطبقة السياسية تخلت عن التحليل والتمييز ودراسة جوهر الاشياء،وتبنت بشكل غادر فكرة ان صورة ما نعيشه هو الحقيقة.وتتعرض الثورة الليبرالية في ستينات القرن العشرين ، وخاصة أحداث 1968 في فرنسا، والمنظرين الفرنسيين مثل ميشيل فوكو وجان بودريار للكثير من الذم. لقد حولوا الثقافة الى “لعبة ظلامية للأكاديميين المعتدين بانفسهم والمثقفين الذين أداروا ظهورهم للمجتمع”.
وفي الوقت نفسه فان الجماهير الموجودة، سهلة الانقياد وسلبية، وفي عالم المظاهر، اصبحت الجماهيرليست سوى مجموعة متفرجين في عرض مسرحي رخيص حيث تتحول فيه المشاهد من العنف الى التفاهة امام اعيننا التي تحدق بملل ووحشية. وتكون لنجوم موسيقى الروك مصداقية اكبر من السياسيين، ويصبح الكوميديون هم الفلاسفة الجدد. ويقدم التبجيل والاحترام لاشخاص مثل الطهاة والبستانيين كما كان يقدم في الماضي الى الكتاب. انه انحطاط محزن ويائس من الحال التي كنا فيه الى ما اصبحنا عليه الان.
فارغاس يوسا متشائم حول امكانية بقاء الأدب، وهو يعني الكتب التي ليست في المقام الأول من اجل التسليه والترفيه وتعليم الطبخ والاعتناء بالحديقة المنزلية . انه متشائم حول كيف يمكن لمجتمع أن يعيش بدون معتقد ديني متماسك (على الرغم من أنه هو نفسه يمكن له ذلك) ولا يقع في اليأس، مجتمع يتخلى عن مفهوم الخصوصية. يكشف دواخل الافراد على الملأ بطريقة نعتقد ان القيام بها هو بمثابة العودة إلى الهمجية.
وأكثر البلدان ثقافه هي المذنبة الاكثر. فهل سننقرض – مثل العديد من الحضارات قبلنا ؟ – بعد أن نبدد ميراثنا “، هذا الميراث الذي وعلى مر آلاف السنين نما الاحساس الشعور ، والاطمئنان لدينا وادخل التنظيم الى حياتنا. تتكرر كلمات مثل “التفاهة”، و”البلاهة” و “الابتذال” مرارا وتكرارا في خطاب بارغاس يوسا.
واما شبكة الإنترنت فهي ليست سوى أداة لاكتساب المعرفة الضحلة. والمعرفة، بالرغم من انبهارنا بها، ليست ثقافة. مسائل المعرفة هي مجرد عامل مساعد على التفكير.
لا يقدم فارغاس يوسا في كتابه أية حلول. وبسبب التخلي عن المبادئ والدوافع الاساسية في ماضينا،فان آفاق السعادة في المستقبل تبدو قاتمة. ويمكننا الآن أن نكون واثقين من شيء واحد فقط هو أننا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل. والسؤال هو ما مقدار الغفلة التي تصبح عليها البشرية حتى تستفيق؟ وان من المؤكد ان هذا المجتمع لن يثور ضد الوضع الحالي قبل مرور فترة طويلة.

اترك ردا