6 - المراة عام

تغير الحياة واتساع المسافات يُسهمان في ضعف الترابط العائلي بين الأسر

تطور الحياة في كل جوانبها وإتساع المسافات بين المواطنين بعد أن كانوا يسكنون بالقرب عن بعضهم ، بسبب زواج الابناء وإتخاذهم مساكن أخرى أكبر من الاولى ، وتبدل الاحوال من خلال صعوبة المعيشة ، كل هذه العوامل أثرت بشكل واضح على الترابط الاجتماعي وضعف الزيارات فيما بينهم ، وأصبحوا مبتعدين عن الاخرين ومنشغلين بهمومهم اليومية ، فادت هذه الظاهرة التي فرضتها ظروف الحياة التعيسة الى هذا الوهن من الترابط والاواصر بين العوائل والاهل .

فهل أن الاحوال المعيشية المريرة هي من ساهم في هذا الابتعاد ؟ ولماذا لا نجعل هذه الظروف الصعبة أساساً في قوة الترابط العائلي ، لا سبباً في الفراق ؟ وكيف يمكن بناء أواصر أسرية متينة لا تهمهم تبدل أو تغير الاحوال فيما بينهم مهما بلغت ذروتها المتقلبة ؟ .

تغير ظروف الحياة
قالت المواطنة خمائل عبد الرزاق صادق ( موظفة ) تغير الحياة لدى الناس وإتساع المسافات التي لم تكن موجودة سابقاً ، وإنشغالهم بالبحث عن فرصة عمل لهم ولابنائهم وسط هذه البطالة وغيرها ، كلها أمور أدت الى ضعف في الترابط العائلي بين شرائح عدة من المواطنين .
وتابعت خمائل حديثها ، إن قلة التواصل يؤدي بدوره الى ضعف الزيارات التي كانت لا تنقطع أبداً ، وتسهم بابتعادهم عن الاخرين ، فإنشغال البعض في تغييرات الحاصلة على حياتهم اليومية ، وتفكيرهم في كيفية سد متطلباتهم ، كان لابد لها أن تسهم في إتساع هذا الضعف الاجتماعي بين العوائل والأهل .
أيام زمان
وأضاف المواطن حمدي عبد الستار محمد ( صاحب محل لبيع المواد الغذائية ) بقوله منذ فترة طويلة أصبحت أعيش مصاعب العمل ، إذ إنشغلت بسببها في ترتيب أموري أو تربية أولادي الذين لا تنتهي مطالبهم أو مواجهة الطوارىء التي قد تصيبني ولم أكن حينها قد وضعت لها حسابات مناسبة .
وتذكر حمدي أيامه بعد أن كان يتواصل مع أهله وأقربائه بالزيارات المتكررة ، ولكنها بعد مرور الزمن ، قلت هذه الظاهرة وأصبح هتافه النقال ، وسيلته للتواصل مع الاخرين ، وفي بعض الاحيان يجد إن هذه المكالمات الهاتفية هي الاخرى إختفت .
وإختتم حديثه ، لقد أخذ هذا الامر يهدد بصورة كبيرة التواصل والترابط الاجتماعي بين الناس ، وأثر على النسيج الاجتماعي ككل ، لذلك كان لابد من إستمرار التواصل والزيارات والسؤال وزيارة القريب والصديق والبعيد في كافة مناسبات السعيدة والحزينة .
قوة للمجتمع
وأشادت المواطنة ندى عباس جابر ( ربة بيت ) بضرورة التواصل بين الناس كونه يعد قوة للمجتمع ويؤدي الى زيادة مفهوم ومبادىء الاواصر والروابط التي تربت عليها منذ صغرها ، فكل إنسان من أجل أن يعيش سعيداً في يومه ، يجب عليه أن يكون لديه علاقات أسرة قوية ، ينعم من خلالها بالراحة والاطمئنـان .
وأشارت بقولها أنني أجد زوجي وأبنائي منشغلون بالبحث عن فرصة عمل ، وهذه الرحلة اليومية كادت لا تنقطع عنهم بشكل كبير ، فانعكست سلباً على وجود مسافات بيننا بصورة مؤلمة .
ونصحت ندى جميع المواطنين الابتعاد عن مثل هذه التبريرات ، وأن يقوموا بالتواصل مع أهلهم وأقربائهم وأصدقائم ، بالزيارة وبالسؤال والمشاركة بالسراء والضراء ، مهما قست عليهم الظروف التي تحيط بهم .

أولى الاهتمامات
ويحرص المواطن كاظم عبد الحسن شاكر ( سائق أجرة ) رغم تعقيدات الحياة التي يشهدها ، أن يضع التواصل في مقدمة إهتماماته .
وذكر بقوله ، أنا أحرص كلياً على الزيارات الخاصة لاهلي وأقربائي ، لانه أمر مرتبط بيننا كونهم جزء مني ، فالاهل تربيت معهم وقد رعوني منذ الصغر حتى وصلت الى عمري هذا ، وأصدقائي هم من شاركوني طفولتي ومراهقتي وشبابي ، لهذا لا أستطيع أن أبتعد عنهم نهائياً .
ورجا كاظم بعدم إستعمال العمل أو ظروف المعيشة شماعة يعلق البعض تبريراته عليها في الابتعاد عن الاخرين ، فالانسان مهما كان ليس له سوى عائلته وأهله وأقربائه وأصدقائه .
تفاعل جميل
بينما يقول الموطن عدنان حميد جاسم ( طالب جامعي ) التواصل صورة من صور البهاء في التوحد بين جميع الأفراد بتفاعل جميل ، حتى يصبحوا لغة واحدة من دون خصام ومفاهيم موحدة من دون إختلاف ، أو على الأقل مفاهيم متقاربة .
وشرح عدنان الامر ، بان هناك أساليبا وآليات تساعد على تحقيقه داخل الأسرة ، وبدونها يغيب أفرادها لعدة أسباب تربوية وإجتماعية ونفسية ، ويذهبون يسألون فيما بينهم عن المعوقات التي تعرقل سير عملية التواصل أو تكون سبباً في إنعدامها بالمرة ، ويبحثون عن نتائج غيابه الأسري على الزوجين وعلى الأبناء أيضا ، فيحاولون وهم يعرفون أنهم مسؤولون في تحوليه ، ليكون رافدا من روافد السعادة في بيوتـهم .
وطالب المواطن الابتعاد عن ضغوطات مسؤوليات وضروريات الأسرة اليومية ، وخصوصاً لدى الزوجين من الفئات الفقيرة ، كي لا تطغى على تعاملاتهم العنف واللامبالاة في العلاقة مع الطرف الآخر ، أو مع أهلهم الذين يكنون كل الحب والود لهم ، ويـأسفون بعدم السؤال عنهم بين الحين والاخر .

الطفل ركيزة أساسية
في حين يؤكد الباحث الاجتماعي جليل عبد الرضا حازم ، إن غالبية الأسر ، ما تزال غير مؤهلة لتقوم بهذا الدور التواصلي من آلاباء وأبناء ، وتنقله إلى مصاف التفاعل الإنساني في ظل منطق التفاهم والتكامل والحوار البناء ، ربما يكون جهلهم لأساليبه ، وأهمية تنشئة أطفالهم على مبادئ الحوار وآداب التعامل منذ الصغر ، جعلهم يهملون التعامل معه بشكل متواضع وبمواقف مزاجية متذبذبة .
وتابع الباحث حديثه ، لقد تباين الناس في هذا الأمر في إتباعهم سلوكيات عشوائية وممارسات متناقضة ، فمنهم من يتخذها نوعاً من التسلط والتساهل معاً والبعض الاخر نوعاً من النبذ والحماية المفرطة التي لا مبرر لها سوى في تصوراتهم .
ودعا الى الاهتمام بالطفل التي يشكّل الركيزة القوية لكل تربية أسرية ترابطية صحيحة، وضعفها أو فشلها التام يعني تنشئة ورعاية قد تفتقد لهذا النوع من الترابط ، ولكن كثيرا من الباحثين يحملون الأسرة جميع مظاهر التفكك والانحراف والضياع ، في حين أنه نادرا ما يقال بأن السبب الرئيس لكل هذا يعود إلى ظروف الفقر والعوز المادي والجهل والأمية …إلخ التي تحيط بهذه الأخيرة وتخترقها يوميا بدون أدنى مقاومة .

خلاصة القول
إن التواصل مع الاهل في جميع المناسبات ، فيه قوة ومحبة عائلية تسهم في إنشداد بعضهم للبعض الاخر ، فزيارتهم ومشاركتهم في كل شيء ، أمر إيجابي مهم لابد منه لكل إنسان مهما كانت الظروف والمصاعب التي تمر عليه ، من خلال أعادة تفكيره وحساباته مع نفسه ، لان التواصل كان وما زال رحمة ، وتشهد كثير من الأسر غيابه لا سيما بين الآباء والأبناء تحديداً ، أو سوء التعامل فيما بينهم ، ولا يشاهد بعضهم البعض إلا في الحالات الطارئة التي تسقط فرض من فروض جني ثمار التواصل الايجابي ويسهم في حرمان أفراد الأسرة الواحدة من دفئه و مزاياه ، فان كانوا معاً فان مشاهدة التلفاز أو بمتابعة الانترنت قد يستحوذ على معظمهم ، ويجعل وقت إجتماع الأسرة قليل جداً ، وإن كانوا الآباء طيلة اليوم منشغلون بأعمالهم ووظائفهم و عملية رجوعهم الى المنزل في وقت متأخر من الليل وقد نال منهم التعب وإلارهاق ، قد يؤدي الى عدم إلاستعداد لسماع أي شيء عن مشاكل أبنائهم من زوجاتهم ، ما يجعل بعض المشاكل الطارئة لدى الأبناء تنمو و تشتد خطورتها في غياب وعي الآباء بها نتيجة ضعف التواصل الأسري أو غيابه لاسيما في مراحل الشباب و المراهقة .

اترك ردا