3 - الصفحة الثقافية عام

الرواية العراقية تشهد حالة نهوض لكنها غير مقرونة بالتقاليد الثقافية المهيمنة

حطمت رواية ما بعد 2003 القيود الثلاث ” الجنس , الدين , السياسة ” ما جعلها تتحرر أكثر , وهذا ما شهدناه من خلال نصوص بعض الروائيين وخصوصاً تلك التي حازت على جوائز عالمية , إلا إن هُنالك تضّاد واضح في الرأي حول الرواية من قِبل النُقّاد والقُرّاء والروائيين أنفسهم عمّا إذا كانت الرواية العراقية قادرة بحق على المُنافسة عالمياً , وهل تستحق أن تغزوا الأدب العالمي أم إنها محدودة الرواج , ومن خلال إستطلاع أجرتهُ المدى حول الرواية العراقية بعد النهضة التي شهدتها .

قال الكاتب والناقد علي الفواز ” من الصعب الحديث عن مقارنة الإنتاج الروائي مع أشكال الكتابات الأخرى, لأن هذا الأنتاج قرين بالجهد والوقت والطبع والتسويق وبطبيعة التقاليد الثقافية المهيمنة، لكن يمكن تأشير تحول واضح نحو هذا الجنس الكتابي في السنوات الأخيرة، إذ بدت الكتابة الروائية أكثر إغواء وإثارة للجدل، على مستوى إتساع فاعلية الاصدارات والحضور في سوق الكتاب، وعلى مستوى التوق الى المنافسة مع تجارب روائية عربية لها تقاليد مُكرسة، ولعل العدد الكبير من الاصدارات الروائية منذ عام 2003 يؤكد وجود الشكل الاجتماعي لظاهرة الرواية العراقية الجديدة بقطع النظر عن معطياتها الفنية والتي تتطلب جهدا نقدياً دؤوباً وعميقاً ”
وأضاف الفواز قائلاً ” جزء كبير من نهضة الرواية يعود الى الشباب فمنافسة الإصدار الروائي العراقي للروائيين الشباب يبقى رهاناً فنياً، وقدرة على حيازة الجدّة والوعي والمغامرة في المنافسة، والمشاركة الواسعة للروائيين العراقيين في المسابقات والجوائز العربية والدولية هو دليل على المغايرة، وعلى الوعي بأهمية الانفتاح والتفاعل، وأحسب أن بروز التجربة المميزة للروائي علي بدر ونجم والي وغيرهم ممن تُرجمت أعمالهم الى لغات أخرى، كما أن فوز الروائي الشاب احمد سعداوي بجائزة البوكر يعطي انطباعاً واضحاً حول تحول في الذائقة الروائية، وتشكّل تقاليد جديدة لها، تحظى بإهتمام القارىء العربي، مثلما تحظى بالمتابعة والقراءة والفحص النقدي”
وأكد الفواز” إن تأثر الكتابة الروائية بالتقانات والأساليب الجديدة، على مستوى التجريب والتصوير، وعلى مستوى الأفكار والمعالجات التي تلامس التاريخ والواقع والجسد والدين والحرية أمر طبيعي جداً، وهو ضمن إشكاليات معقدة من الصعب جدا مقاربتها دون حيازة الوعي والأداة والرؤيا التي تضع الخطاب الروائي في سياق إجراءات مشغلها السردي والبنائي”
بدوره قال الروائي خضير الزيدي ” شأن الرواية العراقية هو ذاته شأن الرواية العربية , لغاية عام 2003 أُنتجت مايقارب 280 رواية عراقية إذ ما تم إستثناء روايات الحرب والتعبئة منها, وبعد 2003 تم حاصد مايقارب 480 رواية عراقية وهذا يعني إن بعد اربع سنوات حصلنا على إنتاج كم ونوع متميز من عدة نواحي تحقق لها شرط الوجود وثم شرط حرية الكتابة , كما إن هنالك مخطوطات روايئة أعيدت لها الحياة وتم طباعتها لانها تتحدث عن احداث مهمة في العراق ”
و أكد الزيدي ” نستنتج من ذلك إن لايمكن مقارنة الرواية العربية والعراقية مع العالمية وتقبل السوق العالمي لها واليوم الرواية العراقية تتلمس طريقها الصحيح من حيث الانتاج الفني وشروط الحداثة وهنالك سعي حثيث لوضع الرواية العراقية على الطريق الصحيح وقد نسمع إن عدد من الرروائيين حصلوا على بعض الجوائز وهذا يعني إن الرواية من حيث الجودة تتوفر فيها عوامل الجودة والفنية الحقيقية ”
وأضاف الروائي نزار عبد الستار قائلاً ” الحديث عن الرواية العراقية لا يخرج في شجونه عن إطار الرداءة التي يُعاني منها هذا الجنس الأدبي عربياً فالسائد الأن فيما تطبعه لبنان هي الرواية الإخبارية وأختها الرواية الجنسية الاعترافية النسوية وايضا الرواية المُراهقية , أما في العراق فالرواية معقدة اللغة وسياسية الهدف وتسلقية الغاية ومشحونة بالعدائية فضلا عن تقريريتها وضعف تكوينها البنائي وهزالة لغتها وعدم مهارتها” مؤكداً ” إن الحديث عن رواية عراقية هو حديث يقودنا إلى ركاكة التفكير الثقافي وعقم الابداع والكثير من الاورام المتليفة”
وأشار عبد الستار ” يمكن الان للجميع كتابة رواية والظهور في مواقع التواصل الاجتماعي كفاتحين وعباقرة ولكن الميزان الابداعي لا يؤشر في الحقيقة على وجود ثقل ومحصلة نوعية وإنما يؤكدعلى كم فارغ لا قيمة له ,والظاهرة الأشد وضوحا الان هي ان لا احد من اصحاب المطولات النثرية يهتم بقضية التحديث او التطوير لهذا فالرواية العراقية متوقفة عند غائب طعمة فرمان ومابعده لا توجد اي محاولات في التحديث بل يمكن لنا اعلان الخيبة الكبرى والقول أن الرواية هي جنس لا يستطيع العيش في العراق ”
وبين عبد الستار قائلاً “إن نموذج المثقف العراقي الذي تأسس في عصور الديكتاتورية السابقة وفي مابعد 2003 لا يتوفر فيه المشروع الادبي وبالتالي فكل ما يلوح من كتب في جنس الرواية هو محل شك والدليل على هذا ان الرواية العراقية لم تظهر بهذا الكم إلا بعد تأسيس جائزة البوكر بنسختها العربية”
من جهته قال الروائي سعد محمد رحيم ” الإصدار الروائي العراقي خلال السنوات العشر الأخيرة لا يعاني من الضعف كمياً , هناك مئات العناوين الجديدة، لكن المشكلة في القيمة الفنية لهذه الأعمال فباستثناء بضع عشرات من الأعمال الجيدة المستوفية للحد الأدنى لشروط كتابة الرواية، نجد بالمقابل استسهالاً لعملية الكتابة، وعجالة في النشر، وكتابات احتفائية أخوانية لا قيمة نقدية لها لكنها تخدع بعض الكتّاب فيظنون أنهم بلغوا الذروة في الإبداع فيما إن كتاباتهم لا تساوي شيئاً .
وأضاف رحيم قائلاً ” صحيح أن جيلاً جديداً من الكتّاب الشابات والشباب بدأوا بمغامرة كتابة الرواية إلا أن المميزين منهم لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة، وهو تميز لا نستطيع أن نقول عنه أنه يرقى إلى العالمية الهدف الآن هو اختراق البيئة العراقية المتعلمة، ومن ثم المجال الثقافي العربي قبل التفكير بالعالمية , وإذا ما دخلنا هذا الفضاء بقوة سنضمن فيما بعد اختراق المجال الثقافي الأجنبي وهذا ما لم يتحقق ,فعلى الكاتب أن يفكر بتطوير أدواته ولغته وتجربته ، والكتابة الجيدة هي التي ستفرض نفسها وتنتشر فيما بعد ”
وأشار قائلاً ” جميعنا استفدنا من الأساليب الحديثة في الكتابة، والسؤال إلى أي مدى حققنا حداثتنا الخاصة بنا؟ فكثير من الروائيين ما زالو يقلدون كُتّاب الغرب خارجين بذلك عن التقليد إلى التمثّل الخلاق للحداثة ومنجزاتها الفنية والفكرية، والكتابة بروح محلية أصيلة هو ما يجب أن يصبو إليه كل روائي، لاسيما الشباب منهم , أما بالنسبة للقُرّاء فإنهم يبحثون عن الممتع والمفيد ,والآن لدينا جمهور متذوق ويعرف أن الرواية تطورت وهؤلاء على الرغم من قلة عددهم إلا أنهم يشكلون نخبة القُراء ونواة مجتمع القراءة الجديد ”
كما أضاف الروائي والناقد جاسم عاصي ” عدة عوامل تلعب دور في الإجحاف بحق الرواية العراقية والعربية , فمنذ محمود احمد السيد يكاد الإعلان عن الرواية العراقية معدماً بسبب دور النشر والتوزيع , فالرواية العراقية مازالت مهتمة بالواقع والواقعية الفردية وهي اليوم على يد الشباب فيها الكثير من المزايا ولكن القصور يقع على الاعلان والموزعين ودور النشر و دائرة الشؤون الثقافية , والرواية العراقية لا تختلف عن الروايات الاخرى ولكن الاعلان عنها هو من أجحف حقها ”
وأكد عاصي ” إن بعض الكُتّاب كانوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم بتوفير تغطية إعلامية لهم ونشر اعلامي لهم من خلال علاقاتهم روجوا أعمالهم بأنفسهم فوصلوا الى العالمية , عدا ذلك هنالك الكثير من الإمكانيات الحقيقية العراقية لم تحصل على فرصتها العالمية الحقيقية بسبب ضعف الاعلان والتوزيع والترجمة والنشر ”
ورُغم إن المشهد الروائي العراقي شَهِد العديد من الأقلام الروائية الفحولية والنسوية , والتي إستطاعت كسر القيود والتحرر في طرق الموضوعات إلا إن الرواية العراقية لازالت تُصارع من أجل التصدُر عالمياً.

اترك ردا