7 - تقارير وتحقيقات عام

إختتام أعمال المؤتمر العلمي السادس للامام الصادق (ع) في العاصمة النرويجية أوسـلو

برعاية ممثل المرجعية الدينية العليا في أوربا سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد مرتضى الكشميري، أختتم في في العاصمة النرويجية أوسلو ، أعمال المؤتمر السادس  للإمام الصادق عليه السلام  ،حضره عدد من أصحاب السماحة والفضيلة ، ونخبة من الاساتذة والمثقفين والمتصدين للعمل الاسلامي وعدد من أبناء الجالية الاسلامية والعراقية ، الذين توافدوا من مختلف المناطق من العاصمة اسلو، إلى مقــر مـركز الامام الرضا عليه السلام .

ابتدئت أعمال المؤتمر ،بتلاوة آيات من القرآن الكريم ،ثم كلمــة ترحيبة لراعي المؤتمر العلامة السيد مرتضى الكشميري ،و الاخوة المشاركون  من قبل المنسق للمؤتمر الشيخ عبد الأمير الممطوري .

بعدذ لك القى السيد مرتضى الكشميري ، كلمة ذكر فيها أن  ،  الامام الصادق (ع) قمة شامخة من قمم الرسالة الاسلامية، وما عسانا ان نتحدث عنه ونقول في هذه العجالة، غير ان الذي ينبغي التنبيه اليه هو يجب على المعنيين بتربية اجيال المسلمين من علماء وخطباء ومبلغين واساتذة ومثقفين ومؤسسات تربوية وثقافية واعلامية ان يعرّفوا الاجيال على معالم مدرسة ائمة اهل البيت (ع) وفي مقدمتهم الامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، لانهم اذا لم يتعرفوا على هذه الشخصيات العملاقه فكانهم لم يتعرفوا على الاسلام الاصيل ولم يفهموه فهما واقعيا فانها لانهم هم القنوات الحقيقية التي تربطنا بنبع الاسلام ونبع القران مباشرة لقوله تعالى ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ))، وهم المجسدون للاسلام تجسيدا حقيقيا وواقعيا، ويرفدونا من منابعه النقية الصافية المرتبطة بالوحي عن طريق النبي (ص).

ووال أُناساً نقلهم وحديثهـــم           روى جـدنا عن جبرائيل عن الباري

ولهذا فاي محاولة لتجاهل هذه الرموز في ذهنية اجيال الامة واجيال المسلمين هي محاولة لطمس الاسلام نفسه، ومسخ هذه الاجيال، وهذا ما نراه اليوم يحصل من خلال مخططين خطيرين رهيبين :

المخطط الاول: تجهيل هذه الاجيال بالشخصيات الاصيلة والحقيقية والتعتيم على الشخصيات الرائدة في تاريخ الاسلام وتاريخ الرسالة، وهذ التعتيم والتجهيل انما هو محاولة لمسخ هذه الاجيال ومحاولة لاقتلاعها وفصلها عن المنابع الاسلامية الحقيقية.

المخطط الثاني: تطبيع هذه الاجيال على تقديس العناصر الدخيلة والمنافقة والمزيفة حتى احصى السيد العسكري في كتابه خمسون ومائة صحابي مختلق، والشيء الخطير في هذا العصر ان المؤسسات الاعلامية والثقافية والتربوية في بلاد المسلمين تحاول ان تربي اجيال المسلمين على تقديس هذه الذوات الوافدة من هنا وهناك، ورجال الشرق والغرب والمغنين والمغنيات والاقزام في تاريخ البشرية، بينما الشخصيات الحقيقية من اهل البيت (ع) غائبة عن ذهنيات ووعي هذا الجيل، فترى الاعلام والصحافة والمناهج المدرسية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة لا تتعرض لائمة اهل البيت (ع) واتباعهم، حتى لا يتربى الجيل على معرفة جهادهم وتضحياتهم من اجل الرسالة.

وهذا نهج ومخطط رهيب لمسخ شباب الامة واقصائها عن مسيرتها الحقيقة التي رسمها لها النبي (ص) والائمة (ع) بقوله (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وقوله (مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم). وقول الامام الباقر (ع) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة (شرقا وغربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا يخرج من عندنا أهل البيت) وعنه (ع) (أما إنه ليس عند أحد علم ولاحق ولافتيا إلا شئ أخذ  عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعنا أهل البيت ، وما من قضاء يقضى به بحق وصواب إلا  بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه من علي عليه السلام ومنا).

واننا من هذا المؤتمر نحمل المعنين من العلماء والخطباء والمبلغين والتربويين والادباء والمؤسسات الاسلامية والثقافية بكل فصائلها، مسؤولية تربية ابنائنا على خط اهل البيت (ع) والتعرف على الشخصيات الرائدة والاصيلة في تاريخ الرسالة الاسلامية، وما انعقاد هذا المؤتمر الا لتعريف الامة بقمة من القمم الرائدة في الرسالة الاسلامية الا وهو الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي هو من اهل بيت اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وواحد من اولئك النجباء الاصفياء، وقائد من قادة الاسلام والرسالة والامة، ومن المعنين بقوله تعالى ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)).

فالحديث عن هذا الامام لا ينتهي والا ينضب، لانه كان (ع) بحرا لا سواحل له وقمة لا نهاية لها، وما عسانا ان نقول ونحن اصحاب الانظار الكليلة من ان نبلغ القمم الشامخة، وما عسانا ان نستجدي من حياة الامام (ع) التي كلها عطاء وفيض لا ينضب.

هذا وارى نفسي مضطرا بطرح بعض اللقطات عن حياة هذا الامام (ع) العظيم ذي الشأن الكبير:

ان دراسة حياة الامام الصادق (ع) تحتاج الى عدة متخصصين، لان لمدرسته (ع) جوانب متعددة، لا يستطيع مفكر او عالم ان يستوعبها، وعلى سبيل المثال:

1-   للامام (ع) مدرسة طبية واراء في الصحة العامة ، فالفقيه والمتحدث والمؤرخ لا يستطيع ان يتحدث عن هذه المسائل بالروعة التي يتحدث عنها اصحاب الاختصاص من الاطباء.

2-   للامام (ع) مدرسة في الكيمياء والفيزياء والطبيعيات، فالخطيب والمبلغ لا يستطيع ان يطرح هذه الافكار بالتحليل الدقيق كما يطرحها ارباب الفن في هذه العلوم.

3-   للامام (ع) اراء في عالم الفلك، فمن الذي يستطيع ان يطرح هذه الافكار بشكل دقيق غير الفلكي الذي له خبرة واسعة في هذا العلم وفي هذا المجال.

4-   للامام (ع) اراء في علم وظائف اعضاء الانسان، والتي تحدث عنها بشكل مسهب، فلا يستطيع الفقهاء والخطباء ان يتحدثوا عنها بمثل ما يتحدث عنه اصحاب الاختصاص في هذا العلم.

5-   للامام (ع) نظريات في علم (الوراثة) وفي (الطب النفسي) و(طب الاطفال) و(التربية) و(الاخلاق) وغيرها، فلا بد من وجود ذوي اختصاص يشرحون هذه العلوم والمعارف.

والخلاصة اننا لا نستطيع فهم شخصية الامام (ع) وافاق مدرسته الا من خلال لجان تخصصية يوضحون لنا ما تركه لنا الامام (ع) من تراث ضخم في شتى المجالات.

مضافا الى ما ذكرناه فان الامام الصادق (ع) صاحب منهج علمي وهذا المنهج العلمي لابد ان يتوفر له متخصصون لدراسته سواء كان في مجال التجربة العملية او من خلال المنهج في مناقشة ومعالجة الافكار والنظريات، وقد ربى الامام (ع) تلامذته على هذا المنهج العلمي في مناقشتهم للافكار والاتجاهات والتيارات، فهذا المنهج العلمي يحتاج الى دراسة مستوعبة يجدر بالمتخصصين ان يوضحوها ويشرحوها تماما.

ثانيا: ان الامام (ع) هو اول من وضع نظام التخصص ووضع الاسس الرصينة لها، لا كما يدعي البعض من ان علماء الغرب هم الذين اقترحوا المنهج التخصص والتجريبي، فالامام الصادق (ع) هو الذي وضع المنهج العلمي في معالجة القضايا التجريبية وطرح المنهج العلمي في مناقشة النظريات والاراء.

ثالثا: ان الامام (ع) لم يذكر هذه العلوم فحسب، بل ربى لها تلامذة اذكياء، فمثلا:

أ‌-       في علوم الشريعة من الفقه والاصول والحديث، كان زرارة وابي بصير وابان بن تغلب الذي روى عن الامام (ع) ثلاثين الف حديث ومحمد بن مسلم والذي روى ستة عشر الف حديث وجميل الدراج، واخرون من افذاد هي المدرسة حتى قال قائهم (رايت في مسجد الكوفة 900 شيخ كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق). ولوجود هذه الكوكبة من العلماء والفقهاء نرى كثرت الحديث المروي عن الامام الصادق (ع) بحيث لم يروى عن احد من المعصومين بقدر ما روي عنه (ع) حتى جمع المتأخرون من علماء الشيعة عشرات المجلدات من مختلف المعارف وقد بلغ عدد طلاب هذه المدرسة في زمن الامام الرضا (ع) اربعة الاف طالب.

ب‌-  في الفلسفة وعلم الكلام كان هشام بن الحكم ومؤمن الطاق ومحمد الطيار وغيرهم.

ت‌-  في الحكمة واسرار الكون واسرار وجود الانسان، كان المفضل بن عمر صاحب كتاب توحيد المفضل.

ث‌-  في الكيمياء، كان جابر بن حيان الذي الفّ في هذا العلم وفي الفيزياء والطب زهاء 500 رسالة كلها من املاء الامام الصادق (ع) وقد ترجمها الغربيون واستفادوا منها وافادوا الاخرين، ولكن من المؤسف قل ما يُطرح جابر وغيره من تلامذة الامام (ع) في مدارس المسلمين وكتبهم وصحفهم وقنواتهم.

هذه بعض ملامح جامعة الامام الصادق (ع) التخصصية، فاين المسلمون اليوم من هذه المدرسة واين صحفهم وقنواتهم وفضائياتهم ومناهجهم التربوية، لتعرف الملأ بهذه العلوم والمعارف الربانية ولتنير لهم خارطة الطريق وفق المنهج الاسلامي الاصيل.

رابعا: يجب علينا ان نعرّف الاجيال بان فقهاء المذاهب الاسلامية كانوا كلهم تلامذة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) اما مباشرة او بالواسطة، فالامام ابي حنيفة والامام مالك ومحمد بن الحسن الشيباني وسفيان الثوري هؤلاء اقطاب الفكر الاسلامي في تاريخ المسلمين كانوا من تلامذة الامام الصادق (ع)، اما الامام الشافعي فقد تتلمذ بالواسطة على يد الامام (ع) لانه تتلمذ على يد مالك والشيباني وسفيان وكلهم تتلمذوا على يد الامام الصادق (ع)، اما الامام احمد بن حنبل فقد تتلمذ على يد الشافعي والاخير قد تتلمذ على من تتلمذ على يد الامام (ع)، وخلاصة القول ان الامام الصادق (ع) هو استاذ المذاهب والفقهاء حتى قال ابن ابي الحديد (ان علم المذاهب الاربعة راجع الى الامام الصادق في الفكر) وقال المؤرخ الشهير ابو نعيم الاصفهاني (روى عن جعفر عدة من التابعين منهم يحيى بن سعيد الأنصاري و أيوب السختياني و أبان بن تغلب و أبو عمر بن العلا و يزيد بن عبد الله بن الهاد ؛ و حدث عنه من الأئمة الأعلام مالك بن أنس و شعبة بن الحجاج و سفيان الثوري و ابن جريح و عبيد الله بن عمرو و روح بن القاسم و سفيان بن عيينة ..)، اذا عرفنا هذا  صح لنا القول بان العلوم الاسلامية الاصيلة كلها ترجع الى الامام الصادق (ع) والى مدرسته فقط، فاين المعنيون بشؤون الامة لبيان ما ذكرناه من هذه الحقائق للشباب ليتعرفوا على قادتهم وسادتهم الحقيقيين ممن امرنا باتباعهم والسير على نهجهم لقول رسول الله (واني تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، اِن تمسّكتم بهما لَنْ تضلُّوا)، وما انعقاد هذا المؤتمر وطرح بعض الملامح فيه من المشاركين الا ليتنّور المسلمون وشبابهم بما قدمه ائمة اهل البيت (ع) من عطاء لا حدود له ولا نهاية، بدءا من مولى الموحدين وامام المتقين علي امير المؤمنين وانتهاءا بالامام الحسن العسكري (ع)، ولذا اقولها بصراحة اننا اذا فصلنا تاريخ اهل البيت (ع) وسيرتهم وتضحياتهم من اجل الرسالة نكون قد جهلنا الاسلام الحقيقي.

اترك ردا