7 - تقارير وتحقيقات عام

أوباما وسياسة تقييم المخاطر

في شرحه لدواعي توقيعه على معاهدة مراقبة الأسلحة مع الاتحاد السوفييتي في عام 1987، أوضح الرئيس رونالد ريجان أنه إنما فعل ذلك لما رأى فيه من مجازفة تستحق الخوض طالما أنها أُسست على مبدأ «ثق لكن تحقق»، وهي العبارة نفسها التي أعاد ريجان تكرارها في مؤتمر صحفي عندما كان الزعيم السوفييتي، ميخائيل جورباتشوف، واقفاً إلى جنبه، بل ردد ما يقابلها في اللغة الروسية كنوع من تقنية المفاوضات التي تبين أن ريجان كان يستخدمها أكثر من مرة، وقد لخصت محاولة الولايات المتحدة تقليص خطر التوقيع على المعاهدة التي تقضي بمراقبة السلاح مع الاتحاد السوفييتي، رغم أجواء عدم الثقة السائدة على خلفية الحرب الباردة.

واليوم ينطبق نفس المبدأ المتعلق بالثقة والتحقق على مقاربة الرئيس أوباما تجاه المفاوضات النووية الجارية مع إيران. فرغم التقدم الطفيف الذي أحرزته تلك المفاوضات حتى الآن، فإنها لم تكتمل بعد بسبب رغبة الولايات المتحدة وشركائها في الحصول على ضمانات بأن الاتفاق يستحق المجازفة للوصول أخيراً إلى اتفاق نووي دائم مع إيران، لاسيما وأن عقوداً من عدم الثقة تراكمت بين الولايات المتحدة وإيران لإخفاء هذه الأخيرة برنامجها النووي، ويبدو أوباما عازماً أكثر من أي وقت مضى على التحقق أولا من أن إيران ستحترم بنود الاتفاق الذي ستوقع عليه، وهو ما يفسر التركيز على آليات محددة تمكن الأطراف الدولية من التحقق من التزام طهران بالمعاهدة وعدم خداعها للمجتمع الدولي.

هذه المفاوضات الجارية حالياً أثارت سلسلة من النقاشات الحادة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وانصبت حول الأخطار والفوائد التي يمكن أن ينطوي عليها اتفاق محتمل مع إيران. ولم ينحصر النقاش في أروقة البيت الأبيض، بل امتد إلى الكونجرس والإعلام، وأيضاً لامس العلاقة الأميركية الإسرائيلية. أما على الجانب الإيراني فقد احتدمت نقاشات مماثلة بين الذين يرون في مجازفة التوقيع على اتفاق نووي أمراً يستحق التجريب، وبين من لا يطيق واشنطن ولا يقوى على الوثوق بها.

لكن إذا وقع الطرفان على اتفاق خلال المهلة المحددة في 31 مارس القادم، فإن النقاش قد يستعر أكثر بسبب انكباب الموقعين على تمحيص بنود الاتفاق. وعلى غرار الحسابات الدقيقة التي تجريها الإدارة الأميركية بشأن المفاوضات مع إيران، هناك أيضاً حسابات من نوع آخر تتعلق بأوكرانيا. فقد أثيرت نقاشات كبرى في الاتحاد الأوروبي وأميركا حول الطريقة الأمثل للتعامل مع روسيا، ترتكز على قراءة غربية للوضع تفيد بأن الاحتجاجات التي شهدتها أوكرانيا قبل عام وأدت للإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش عبرت حقيقةً عن إرادة الشعب الأوكراني، وأن اجتياح روسيا لشبه جزيرة القرم وضمها لاحقاً، ثم الدعم الواضح للانفصاليين الأوكرانيين، يمثل انتهاكاً للقانون والأعراف الدولية. ويشير الأوروبيون والأميركيون إلى استمرار موسكو في المراوغة فيما يتعلق بتواجد قواتها داخل أوكرانيا.

هذا الواقع المرير الناشئ على الحدود الشرقية لأوروبا أشعل نقاشاً آخر في الغرب حول تسليح أوكرانيا ومدها بالعتاد المتطور بين من يتحفظ على الاقتراح الذي يرى فيه نوعاً من الاستفزاز المجاني لروسيا وتصعيداً غير ضروري قد يزيد من تفاقم الوضع يشعل حرباً بين روسيا وأميركا، وبين من يدافع عن تسليح أوكرانيا لإيقاف الزحف الروسي وحملها على التوافق. كما أن هناك من الباحثين المتخصصين في الشأن الروسي من يعتقد أن موسكو لم تتقبل قط فقدان نفوذها على أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وأنها رأت في الإطاحة بيانوكوفيتش وانتهاج أوكرانيا خطاً أكثر استقلالية عن روسيا إيذاناً بما سيحدث للدول الأخرى المجاورة، ما يعني أنه بدلا من استعداء بوتين يتعين تطمينه بأن الغرب لا ينوي ضم أوكرانيا إلى «الناتو» ولا رغبة له في تطويق روسيا، بل الأكثر من ذلك يذهب دعاة التهدئة مع بوتين إلا أن الوقت ليس مناسباً لمزيد من تعكير العلاقات الأميركية الروسية بينما تسعى واشنطن إلى تعاون أكبر من موسكو في الموضوع الإيراني.

وبالطبع يدرس أوباما كل هذه الآراء والتصورات حول روسيا وإيران وأوكرانيا، محاولا الوصول إلى نقطة توازن بين الأخطار والفوائد وإمكانية الوثوق في الخصوم للخروج بأقل الخسائر، فضلا عن دراسة الخطوات المتاحة لتقليل مخاطر الحلول البديلة في حال فشلت المبادرات الدبلوماسية.

اترك ردا